كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 3)

النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى: {إذا طلقتم} وهو عام؛ فدل على أن المراد به العموم؛ ومما يحتمل، مثل قوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: ٦٥]؛ فهذا يحتمل أنه للرسول (صلى الله عليه وسلم) وحده؛ ولكن أمته تبع له؛ وهو ظاهر اللفظ - وإن كان هذا الشرك لا يقع منه؛ لأن «إنْ» قد يراد بها فرض الشيء دون وقوعه - وهنا {ألم تر} يحتمل الأمرين؛ يعني: ألم تنظر يا محمد، أو: ألم تنظر
أيها المخاطب.

قوله تعالى: {إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}؛ ذكر «إبراهيم» في الآية ثلاث مرات؛ وفيها قراءتان: {إبراهيم}، و {إبراهام}؛ وهما سبعيتان؛ و {حاج}: هذه صيغة مفاعلة؛ وصيغة المفاعلة لا تكون غالباً إلا بين اثنين، كـ «قاتل»، و «ناظر»، و «دافع» - أقول: غالباً؛ لئلا يرد علينا مثل: «سافر»؛ فإنها من واحد؛ ومعنى «حاجه» أي ناظره، وأدلى كل واحد بحجته؛ و «الحجة» هي الدليل، والبرهان؛ و {في ربه} أي في وجوده، وفي ألوهيته؛ فإبراهيم يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ وهذا ينكر الله رأساً - كما أنكره من بعده فرعون - وقال: أين الدليل على وجود ربك؟

قوله تعالى: {أن آتاه الله الملك}: {أن} مصدرية دخلت على الفعل الماضي؛ وإذا دخلت على الفعل الماضي لا تنصبه؛ لكنها لا تمنع أن يسبك بمصدر؛ والتقدير هنا: أنه حاج إبراهيم لكونه أُعطي مُلكاً؛ و «أل» في قوله تعالى: {الملك} الظاهر أنها لاستغراق الكمال - أي ملكاً تاماً لا ينازعه أحد في مملكته؛ لأن الله لم يعطه ملك السموات، والأرض؛ بل ولا ملك جميع الأرض؛ وبهذا نعرف أن فيما ذُكر عن بعض التابعين من أنه ملك

الصفحة 278