كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 3)

الثاني: أنه ليس به ضرورة إلى هذا الدواء المحرم؛ لأنه قد يكون الشفاء في غيره، أو يشفى بلا دواء.
الثالث: أننا لا نعلم أن يحصل الشفاء في تناوله؛ فكم من دواء حلال تداوى به المريض ولم ينتفع به؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء: «إنها شفاء من كل داء إلا السام - يعني الموت» (¬١)؛ فهذه مع كونها شفاءً لا تمنع الموت؛ ولذلك لو اضطر إلى شرب خمر لدفع لقمة غص بها جاز له ذلك، لأن الضرورة محققة، واندفاعها بهذا الشرب محقق.

الخلاصة الآن: أخذنا من هذه الآية الكريمة: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} قاعدتين متفقاً عليهما؛ وهما:

أ - لا واجب مع العجز.

ب - ولا محرم مع الضرورة.

٣ - ومن فوائد الآية: أن الإنسان لا يحمل وزر غيره؛ لقوله تعالى: {وعليها ما اكتسبت}.

إذا قال قائل: ما تقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (¬٢)؟

فالجواب: أن هذا لا يرد؛ لأن الذي فعلها أولاً اقتدى الناس به؛ فكان اقتداؤهم به من آثار فعله؛ ولما كان هو
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٤٨٧، كتاب الطب، باب ٧: الحبة السوداء، حديث رقم ٥٦٨٧؛ وأخرجه مسلم ص ١٠٧٠، كتاب السلام، باب ٢٩: التداوي بالحبة السوداء، حديث رقم ٥٧٦٦ [٨٨] ٢٢١٥.
(¬٢) سبق تخريجه ٢/ ٤٢.

الصفحة 455