كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 3)
يوم الأذان وآخره انقضاء العشر الأول من ربيع الآخر، وقوله فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، هو حكم مباين للأول حكم به في المشركين الذين لا عهد لهم البتة، فجاء أجل تأمينهم خمسين يوما أولها يوم الأذان وآخرها انقضاء المحرم، وقوله إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ، يريد به الذين لهم عهد ولم ينقضوا ولا تحسس منهم نقض، وهم فيما روي بنو ضمرة من كنانة عاهد لهم المخش بن خويلد وكان تبقى من عهدهم يوم الأذان تسعة أشهر: وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: إنما أجل الله أربعة أشهر من كان عهده ينصرم عند انقضائها أو قبله، والمعنى فقل لهم يا محمد سيحوا، وأما من كان له عهد يتمادى بعد الأربعة الأشهر فهم الذين أمر الله لهم بالوفاء، وقوله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، معناه واعلموا أنكم لا تفلتون الله ولا تعجزونه هربا من عقابه، ثم أعلمهم بحكمه بخزي الكافرين، وذلك حتم إما في الدنيا وإما في الآخرة. وقوله تعالى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ الآية، وَأَذانٌ معناه إعلام وإشهار، والنَّاسِ هاهنا عام في جميع الخلق، ويَوْمَ منصوب على الظرف والعامل فيه أَذانٌ وإن كان قد وصف فإن رائحة الفعل باقية، وهي عاملة في الظروف، وقيل لا يجوز ذلك إذ قد وصف المصدر فزالت عنه قوة الفعل، ويصح أن يعمل فيه فعل مضمر تقتضيه الألفاظ، وقيل العامل فيه صفة الأذان وقيل العامل فيه مُخْزِي.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد، ويَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قال عمر وابن عمر وابن المسيب وغيرهم: هو يوم عرفة، وقال به علي، وروي عنه أيضا أنه يوم النحر، وروي ذلك عن أبي هريرة وجماعة غيرهم، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال منذر بن سعيد وغيره: كان الناس يوم عرفة مفترقين إذ كانت الحمس تقف بالمزدلفة وكان الجمع يوم النحر بمنى، فلذلك كانوا يسمونه الحج الأكبر أي من الأصغر الذي هم فيه مفترقون.
قال القاضي أبو محمد: وهذا زال في حجة أبي بكر لأنه لم يقف أحد بالمزدلفة، وقد ذكر المهدوي أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر، والذي تظاهرت به الأحاديث في هذا المعنى أن عليا رضي الله عنه أذن بتلك الآية يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر، ثم رأى أنه لم يعلم الناس بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر، وفي ذلك اليوم بعث معه أبو بكر من يعينه بالأذان بها كأبي هريرة وغيره، وتتبعوا بها أيضا أسواق العرب كذي المجاز وغيره، فمن هنا يترجح قول سفيان إن يَوْمَ في هذه الآية بمعنى أيام، بسبب ذلك قالت طائفة يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ عرفة حيث وقع أول الأذان وقالت طائفة أخرى: هو يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان، واحتجوا أيضا بأنه من فاته الوقوف يوم عرفة فإنه يجزيه الوقوف ليلة النحر، فليس يوم عرفة على هذا يوم الحج الأكبر.
قال القاضي أبو محمد: ولا حجة في هذا، وقال سفيان بن عيينة: المراد أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل يريد جميع أيامه، وقال مجاهد يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أيام منى كلها، ومجامع المشركين حيث كانوا بذي المجاز وعكاظ حين نودي فيهم ألا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كما قال عثمان لعمر حين عرض عليه زواج حفصة: إني قد رأيت ألا
الصفحة 5
552