كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 3)
[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177)
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها الْآيَةَ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يقال له بلعم بن باعوراء وَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ «1» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن ابن عباس: هُوَ صَيْفِيُّ بْنُ الرَّاهِبِ قَالَ قَتَادَةُ وَقَالَ كَعْبٌ: كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَلْقَاءِ وَكَانَ يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَكَانَ مُقِيمًا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ الْجَبَّارِينَ وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ آتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَتَرَكَهَا، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ يُقَدِّمُونَهُ فِي الشَّدَائِدِ بَعَثَهُ نبي الله موسى عليه السلام إِلَى مَلِكِ مَدْيَنَ يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ فَأَقْطَعُهُ وَأَعْطَاهُ فَتَبِعَ دِينَهُ وَتَرَكَ دِينَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هو بلعم بن باعوراء، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ بِلْعَامُ وَقَالَتْ ثَقِيفٌ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عبد الله بن عمرو فِي قَوْلِهِ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا الآية قَالَ: هُوَ صَاحِبُكُمْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ «3» .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ إِلَيْهِ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ يُشْبِهُهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّصَلَ إِلَيْهِ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعِلْمِهِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَتْهُ أَعْلَامُهُ وَآيَاتُهُ وَمُعْجِزَاتُهُ وَظَهَرَتْ لِكُلِّ مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ وَمَعَ هَذَا اجْتَمَعَ بِهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَصَارَ إِلَى مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُنَاصَرَتِهِمْ وَامْتِدَاحِهِمْ وَرَثَى أَهْلَ بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَرْثَاةٍ بَلِيغَةٍ قبحه الله. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ مِمَّنْ آمَنَ لِسَانُهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ قَلْبُهُ فَإِنَّ لَهُ أَشْعَارًا رَبَّانِيَّةً وَحِكَمًا وَفَصَاحَةً وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْرَحِ الله صدره للإسلام.
__________
(1) انظر تفسير الطبري 6/ 119.
(2) تفسير الطبري 6/ 119.
(3) تفسير الطبري 6/ 120.
الصفحة 457