كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَذَكَرَهُ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ محمول على التقييد بساعتكم فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول قبل أن يموت بشهر «تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ «1» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخِرَامَ ذَلِكَ الْقَرْنِ «2» . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَنَا الْعَوَّامُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ مُوثِرِ بن عفارة عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ- قَالَ- فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهَا فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى فَقَالَ عِيسَى: أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ- قَالَ- وَمَعِي قَضِيبَانِ، فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، قَالَ: فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذا رآني حتى إن الشجر والحجر يَقُولُ: يَا مُسْلِمُ إِنَّ تَحْتِي كَافِرًا فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ.
قَالَ: فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ: قَالَ: ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ فَأَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ أَيْ تَنْتَنُ، قَالَ: فَيُنْزِلُ اللَّهُ عز وجل الْمَطَرَ فَيَجْتَرِفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ.
قال الإمام أَحْمَدُ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: ثُمَّ تُنْسَفُ الْجِبَالُ وَتُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ هُشَيْمٍ، قَالَ: فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كذلك، فإن الساعة كالحامل المتمم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادتها لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبَ بِسَنَدِهِ نَحْوَهُ، فَهَؤُلَاءِ أَكَابِرُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِوَقْتِ السَّاعَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا رَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَتَكَلَّمَ عَلَى أَشْرَاطِهَا لِأَنَّهُ يَنْزِلُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُنَفِّذًا لِأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقْتُلُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ هَلَاكَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ، فَأَخْبَرَ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى به.
__________
(1) كتاب فضائل الصحابة حديث 217. [.....]
(2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 216، وأبو داود في الملاحم باب 17، والترمذي في الفتن باب 64.
(3) المسند 1/ 375.

الصفحة 472