كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

أَيْ مِنَ الْمَالِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَعَلِمْتُ إِذَا اشْتَرَيْتُ شَيْئًا مَا أَرْبَحُ فِيهِ، فَلَا أَبِيعُ شَيْئًا إِلَّا رَبِحْتُ فِيهِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ وَلَا يُصِيبُنِي الْفَقْرُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الْغَلَاءَ مِنَ الرُّخْصِ، فَاسْتَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الرُّخْصِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ قَالَ: لَاجْتَنَبْتُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّرِّ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَاتَّقَيْتُهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، أَيْ نَذِيرٌ مِنَ الْعَذَابِ وَبَشِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مريم: 97] .

[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
يُنَبِّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ آدم عليه السلام. وأنه خلق منه زوجته حَوَّاءَ ثُمَّ انْتَشَرَ النَّاسُ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الْحُجُرَاتِ: 13] وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها [النساء: 1] الآية، وقال في هذا الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها أي ليألفها ويسكن بها، كقوله تَعَالَى:
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:
21] فلا ألفة بين روحين أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ السَّاحِرَ رُبَّمَا تَوَصَّلَ بِكَيْدِهِ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ فَلَمَّا تَغَشَّاها أَيْ وَطِئَهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً وَذَلِكَ أَوَّلُ الْحَمْلِ لَا تَجِدُ الْمَرْأَةُ لَهُ أَلَمًا، إِنَّمَا هِيَ النُّطْفَةُ ثُمَّ الْعَلَقَةُ ثُمَّ الْمُضْغَةُ.
وَقَوْلُهُ فَمَرَّتْ بِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ: اسْتَمَرَّتْ بِحَمْلِهِ «2» ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعَيِّ وَالسُّدِّيِّ نَحْوُهُ، وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ: اسْتَخَفَّتْهُ. وَقَالَ أَيُّوبُ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ فَمَرَّتْ بِهِ قَالَ: لَوْ كُنْتَ رَجُلًا عَرَبِيًّا لَعَرَفْتَ مَا هِيَ إِنَّمَا هِيَ فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ فَمَرَّتْ بِهِ استبان حَمْلُهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ اسْتَمَرَّتْ بِالْمَاءِ قَامَتْ بِهِ وَقَعَدَتْ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اسْتَمَرَّتْ بِهِ فَشَكَّتْ أَحَمَلَتْ أَمْ لَا «3» ؟ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ صَارَتْ ذَاتَ ثِقَلٍ بِحَمْلِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَبِرَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً أَيْ بَشَرًا سَوِيًّا، كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْفَقَا أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو البختري
__________
(1) تفسير الطبري 6/ 141.
(2) انظر هذه الآثار في تفسير الطبري 6/ 141، 142، 143.
(3) انظر هذه الآثار في تفسير الطبري 6/ 141، 142، 143.

الصفحة 474