كتاب تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي (اسم الجزء: 3)

عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرًا للقلوب عنهم وخرج عن طريق المشبهة في ذات الله تعالى وصفاته فجاء فيه بطوام واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل فإذا طالبهم بالدليل كاعوا فيتضاحك مع أصحابه منهم وعضدته الرياسة بما كان عنده من أدب ونسبة كان يوردها على الملوك فكانوا يحملونه ويحمونه لما كان يلقى إليهم في شبه البدع والشرك وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتى منهم طافحة ونار ضلالهم لائحة فقاسيتهم مع غير أقران وفي عدم أنصار إلى حسان "؟ " يطئون عقبي، تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى تنكسر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراض عنهم وتشغيب بهم وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه نكت الإسلام, فيه دواهٍ، فجردت عليه نواهي، وجاء آخر برسالة في الاعتقاد فنقضتها برسالة الغرة، والأمر أفحش من أن ينقض، يقولون: لا قول إلا ما قال الله ولا نتبع إلا رسول الله, فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحد ولا بالاهتداء بهدي بشر، فيجب أن يتحققوا أنهم ليس لهم دليل، وإنما هي سخافة وتهويل.
قال كاتبه: صدق القائل: لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله, ثم قال: فأوصيكم بوصيتين ألا تستدلوا عليهم وطالبوهم بالدليل, فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغب، وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا.
فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله، فحق ولكن أرني ما قال الله. وأما قولهم: لا حكم إلا لله, فغير مسلم على الإطلاق بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره مما قاله وأخبر به, فصح أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "وإذا حاصرت أهل حصن فلا تُنزلهم على حكم الله, فإنك لا تدري ما حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك". وصح قوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء ... " الحديث.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغني للشيخ الموفق. قال أبو الخطاب بن دحية: كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان وأصابه زمانة وعاش اثنتين وسبعين سنة إلا أشهرًا.
قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي: أخبرني ابن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة فدخل المسجد فجلس ولم يركع, فقال له رجل: قم فصلِّ تحية المسجد، وكان ابن ست وعشرين سنة؛ قال: فقمت وركعت فلما رجعنا من الجنازة جئت المسجد فبادرت بالتحية فقال لي: اجلس ليس ذا وقت صلاة, يعني بعد العصر، فانصرفت حزينًا وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون, فقصدته وأعلمته بما جرى عليَّ فدلني على الموطأ فبدأت عليه قراءة, ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة.

الصفحة 229