كتاب تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي (اسم الجزء: 3)

اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟ قال: فعم يسألني السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته، فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك هذا بهتان عظيم، فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه, فأمر به فأخرج إلى داره مكرمًا، وقال لهم: اصدقوني, وهددهم فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة, فأردنا أن نقطع شره عنا، فأمر بهم ووكل بكل واحد منهم وصادرهم وأهانهم.
قال أبو الوقت عبد الأول: دخلت نيسابور وحضرت على الأستاذ أبي المعالي الجويني فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري فقال: رضي الله عنه، قلت: اسمع ترضي هذا الإمام عن هذا الإمام, وإياك وسماع سب هذا الإمام من الإنعام. قال ابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم قلت: ولم؟ قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبينها فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال ابن السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري فقال: إمام حافظ.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب إمامًا كاملًا في التفسير حسن السيرة في التصوف غير مشتغل بكسب مكتفيًا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مرتين على رأس الملأ فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي فيأخذها ويفرقها على اللحام والخباز وينفق منها، ولا يأخذ من السلاطين ولا من أركان الدولة شيئًا، وقلما يرى عنهم ولا يدخل عليهم ولا يبالي بهم فبقي عزيزًا مقبولا قبولا أتم من الملك مطاع الأمر نحوًا من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة وركب الدواب الثمينة ويقول: إنما أفعل هذا إعزازًا للدين ورغمًا لأعدائه حتى ينظروا إلى عزي وتجملي فيرغبوا في الإسلام؛ ثم إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المرقعة والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم ولا يتميز بحال. وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر وتسمية أولادهم في الأغلب بعبد المضاف إلى أسماء الله تعالى.
قال أبو سعد السمعاني: كان مظهرًا للسنة داعيًا إليها محرضًا عليها وكان مكتفيًا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئًا وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة معتقدًا ما صح وغير مصرح بما يقتضي تشبيه؛ وقال: من لم ير مجلسي وتذكيري فطعن فيّ, فهو مني في حل.

الصفحة 252