كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)
وروى أحمد ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على أحد المجنبتين خالد بن الوليد، وبعث الزبير على الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر -بضم المهملة وتشديد السين المهملة، أي الذي بغير سلاح- فقال لي: "يا أبا هريرة اهتف بالأنصار"، فهتف بهم فجاءوا فطافوا به، فقال: "أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم"، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى: "احصدوهم حصدا، حتى توافوني بالصفا". قال أبو هريرة: فانطلقنا، فما نشاء أن نقتل أحدا منهم
__________
حديث أم هانئ في شرح الصحيح غير مرة لا تقبل إلا بثبت والله أعلم.
"وروى أحمد والنسائي عن أبي هريرة قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم" فدخل مكة "وقد بعث على إحدى المجنبتين" بضم الميم، وفتح الجيم، وكسر النون المشددة، قال في النهاية، مجنبة الجيش هي التي في الميمنة والميسرة، وقيل الكتيبة، تأخذ إحدى ناحيتي الطريق، والأول أصح "خالد بن الوليد".
وفي رواية ابن إسحاق من مرسل ابن أبي نجيح أن خالدا كان على المجنبة اليمنى، "وبعث الزبير على الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة" فراء "أي الذين بغير سلاح", كما قاله في الفتح، وقال في النور: وهم الذين لا دروع لهم. انتهى.
فيحتمل أنها المراد بالسلاح المنفي لا مطلقا إذ الذاهب للقتال لا يخرج بلا سلاح البتة. وفي مسلم أيضا أن أبا عبيدة كان على البياذقة بتفح الموحدة وخفة التحتية فألف فذال معجمة، فقاف فتاء تأنيث أي: الرجالة فارسية معربة وكلاهما في العيون، خلافا لما أوهمه الشارح وفي مسلم وغيره أن قريشا وبشت أوباشها وأتباعها، فقالوا: تقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فرآني صلى الله عليه وسلم, فقال لي: "يا أبا هريرة" قلت: لبيك قال: "اهتف" صح "بالأنصار" ولا يأتيني إلا أنصاري، "فهتف بهم، فجاءوا، فطافوا به" داروا حوله وحكمة تخصيصهم عدم قرابتهم لقريش، فلا تأخذهم بهم رأفة، فقال: "أترون إلى أوباش قريش" بفتح الهمزة، وسكون الواو، وبموحدة، فألف فمعجمة الجموع من قبائل شتى "وأتباعهم"، ثم قال: بإحدى يديه على الأخرى: "احصدوهم" بهمزة وصل فإن ابتدأت ضممت وبالحاء والصاد، المهملتين "حصدا" أي اقتلوهم وبالغوا في استئصالهم "حتى توافوني الصفا" قال الحافظ: والجمع بين هذا وبين ما مر من تأمينه لهم أن التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال، فلما جاهروا به واستعدوا للحرب انتفى التأمين "قال أبو هريرة، فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدًا منهم