كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)
والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب. وإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل، ولا أظنه عني إلا لاحتمال الأول وفيه ما ذكرته. انتهى.
ثم دخل صلى الله عليه وسلم مكة في كتيبته الخضراء.
__________
من أكابرهم، "وإن كان مراده" أي النووي رحمه الله "بالصلح، وقوع عقده فهذا لم ينقل", فلا ينبغي أن يكون مراد مثل النووي، "ولا أظنه عني إلا الاحتمال الأول وفيه ما ذكرته" من أنهم لم يلتزموا الأمان واستعدوا للحرب، وقد علمت أنه المنقول عند أصحاب السير وغيرهم وزعم سميه أنه بفرض تأهبهم للقتال فلا يقتضي رد الصلح؛ لأنه الخوف بادرة تقع من شواذ ذلك الجيش الحافل لا سيما قد سمعوا قول سعد: اليوم يوم الملحمة، كذا قال وإنه لعجيب قوله بفرض مع قول الأئمة، دعوا إلى القتال، ونفيه اقتضاءه لعلته الباردة مردود بما صرحوا به من أن الذين اجتمعوا بالخندمة أقسموا بالله لا يدخلها محمد عليهم عنوة أبدا، فقاتلوا حتى هزموا "انتهى" كلام فتح الباري، ثم قال بعد كلام طويل وجنحت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة، وقد رد ذلك الحاكم في الإكليل، والحق أن صورة فتحها عنوة، وعومل أهلها معاملة من دخلت بأمان، ومنع جمع منهم السهيلي، ترتب عدم قسمتها، وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا.
أما الأول فالإمام مخير في قسمة الأرض بين الغانمين إذا انتزعت من الكفار وبين إبقائها وقفا على المسلمين، ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها.
وأما ثانيا فقال بعضهم: لا تدخل الأرض في حكم الأموال؛ لأن من مضى كانوا إذا غلبوا على الكفار، لم يغنموا الأموال، وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عموما كما قال تعالى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةً} الآية، وقال: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} الآية. انتهى.
"ثم" كما قال ابن إسحاق وغيره لما ذهب أبو سفيان إلى مكة بعدما عاين جنود الله, وانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينتظرونه صلى الله عليه وسلم حتى تلاحق الناس، فأقبل معتجرا بشقة برد حبرة حمراء "دخل صلى الله عليه وسلم" بهم "مكة" وهو يقرأ سورة الفتح يرجع صوته بالقراءة، كما أخرجه الشيخان "في كتيبته الخضراء" قال ابن هشاك: إنما قيل الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها قال حسان:
لما رأى بدرا تسير جلاهه ... بكتيبة خضراء من بالخزرج
والعرب تكني بالخضرة عن السواد، وبه عنها كما مر، ولعله إيثار للون المحبوب لنفرة النفس من السواد, ولا يرد قول جابر أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة، وعليه عمامة سوداء بغير إحرام, وقول عمرو بن حريث: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء حرقانية، قد