كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)
وهو على ناقته القصواء بين أبي بكر وأسيد بن حضير، فرأى أبو سفيان ما لا قبل له به، فقال العباس: يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك ملكا عظيما. فقال العباس: ويحك، إنه ليس بملك ولكنها نبوة. قال: نعم.
__________
أرخى طرفها بين كتفيه.
رواهما مسلم لأن ذلك إشارة إلى أن هذا الدين لا يغير، كما أن السواد لا يقبل التغير بل جميع الألوان ترجع إليه ولا يرجع هو إلى لون منها، "وهو على ناقته القصواء" مردفا أسامة "بين أبي بكر" الصديق، "وأسيد بن حضير" بتصغيرهما، وفي كتيبته المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد.
قاله ابن إسحاق، والواقدي وغيرهما، وتبعهم ابن سيد الناس، والشامي، الذين في يد الشارح فعجيب قوله: ذكر أبي بكر هنا لا ينافي أن كتيبته صلى الله عليه وسلم كانت من الأنصار؛ لأن المراد: أن معظمها كان من الأنصار، وكان ذلك دخل عليه من العبارة الثانية التي في ابن سيد الناس، وهي: فأقبل صلى الله عليه وسلم في كتيبة الأنصار، وغفل عن الأولى فوهم.
وأما ما رواه الطبراني، عن علي أنه صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح بين عتبة ومعتب ابني أبي لهب، يقول للناس: "هذان أخواي، وابنا عمي". فرحا بإسلامهما، "استوهبتهما من الله فوهبهما لي". فهذا لما دخل المسجد بعد ذلك في أيام إقامته بعد أن أسلما.
وقد روى ابن سعد عن العباس لما قدم صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح قال لي: "يا عباس أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما"؟. قلت: تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش. قال: "اذهب فائتني بهما". فركبت إلى عرفة فأتيتهما، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكما فركبا معي مسرعين، فدعاهما فأسلما، وبايعا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني استوهبت ابني عمي هذين من ربي فوهبهما لي".
قال في الإصابة: ويجمع بينه وبين حديث علي بأنه دخل المسجد بينهما بعد أن أحضرهما العباس "فرأى أبو سفيان ما لا قبل" بكسر ففتح: طاقة "له به، فقال للعباس: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك ملكا" لفظ ابن إسحاق الغداة بدل ملكا "عظيما، فقال العباس: ويحك" نصب وجوبا لإضافته، فإن لم يضف كويح لزيد جاز رفعه على الابتداء ونصبه بإضمار فعل.
وحكى ابن عصفور أنه استعمل من ويح فعل واح ويحا. "إنه ليس بملك ولكنه نبوة. قال: نعم".
قال السهيلي: قال شيخنا أبو بكر يعني ابن العربي إنما أنكر ذكر الملك مجردا عن النبوة، مع أنه كان أول دخوله في الإسلام، وإلا فجائز أن يسمى مثل هذا ملكا وإن كان لنبي، فقد قال الله تعالى لداود: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} ، وقال سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا} غير أن الكراهة