كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

فهي حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص فيها لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها الآن كحرمتها بالأمس
__________
وجد من الأرض.
ودحيت الأرض من تحتها كما مر أول الكتاب "فهي حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة" يعني أن تحريمها أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة ليس مما أحدثه أو اختص بشرعه، ولا ينافيه قوله في حديث جابر عند مسلم أن إبراهيم حرم مكة لأن إسناد التحريم إليه حيث أنه بلغه، فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها، فكما تضاف إليه تعالى من حيث إنه الحاكم بها تضاف إلى رسوله لأنها تسمع منهم وتظهر على لسانهم والحاصل أنه أظهر تحريمها بعد أن كان مهجورا، لا أنه ابتدأه أو أنه حرمها بإذن الله يعني أن الله كتب في اللوح المحفوظ يومئذ أن إبراهيم سيحرم مكة بإذنه تعالى.
وفي رواية للشيخين، أن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، "فلا يحل لامرئ" بكسر الهمزة والراء "يؤمن بالله واليوم الآخر" القيامة إشارة للمبدأ والمعاد، وقيد به لأنه الذي ينقاد للأحكام وينزجر فلا ينافي خطاب الكافر أيضا بفروع الشريعة "أن يسفك بها دما" بكسر الفاء وقد تضم، وهما لغتان حكاهما الصغاني وغيره.
والسفك صب الدم، وأن مصدرية أي: فلا يحل سفك دم بها "أو يعضد" بفتح التحتية، وسكون المهملة، وكسر المعجمة فدال مهملة، أي قطع بالمعضد وهو آلة كالفأس "بها شجرة" ذات ساق، "فإن أحد ترخص فيها" برفع أحد بفعل مقدر يفسره ما بعده لا بالابتداء، لأن إن من عوامل الفعل وحذف الفعل وجوبا لئلا يجتمع المفسر والمفسر والمعنى إن قال أحد ترك القتال عزيمة والقتال رخصة يتعاطى عند الحاجة "لقتال" أي: لأجل قتال "رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيها مستدلا بذلك "فقولوا" له: ليس الأمر كما ذكرت.
"إن الله قد أذن لرسوله" تخصيصا له "ولم يأذن لكم" ففيه إثبات خصائص لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستواء المسلمين معه في الحكم إلا ما ثبت تخصيصه به، "وإنما أحلت لي ساعة من نهار" فكانت في حقه تلك الساعة، بمنزلة الحل، قال الحافظ: والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر.
وفي رواية ابن إسحاق ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها "وقد عادت حرمتها الآن".
وفي رواية اليوم أي: الذي هو ثاني يوم الفتح "كحرمتها بالأمس" الذي قبل يوم الفتح.

الصفحة 448