كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

..... مكة من آثار وطأته ... وويل أم قريش من جوى الهبل
فجدت عفو بفضل العفو منك ولم ... تلمم ولا بأليم اللوم والعذل
أضربت بالصفح صفحا عن طوائلهم ... طولا أطال مقيل النوم في المقل
رحمت واشج أرحام أتيح لها ... تحت الوشيج نشيج الروع والوجل
__________
ويدعي بها فيه "مكة" أي فيا ويل أهلها "من آثار وطأته" أرضهم ونكايته فيهم بالقتل والإثخان.
"وويل أم قريش من جوى" بفتح الجيم والواو حرقة وحزن "الهبل" بفتح الهاء، والموحدة، الثكل، أي فقدهم "فجدت عفوا" أي سهلا من غير عناء ولا كد في السؤال "بفضل العفو" أي ترك العقوبة والتجاوز عن الذنب مع قدرتك عليها تركا تاما صدر "منك" بسهولة من غير إكراه ولا مشير به، فمعنى العفو فيهما مختلف "ولم تلمم" من ألممت بالشيء إذا دنوت منه أو نلت منه يسيرا، "ولا بأليم" موجع "اللوم والعذل" بفتح المعجمة وسكونها متقاربان فلما اختلف اللفظ حسم التكرير.
يعني أنه صلى الله عليه وسلم لم يقابل أهل مكة ولا باللوم بل عفا عنهم وصفح.
"أضربت" أعرضت. وتركت "بالصفح" هو ترك المؤاخذة بالذنب مع القدرة عليها، فهو بمعنى العفو "صفحا" مصدر مؤكد لأعرضت معناه أي إعراضا أو حال من فاعل أعرضت بمعنى صافحا "عن" نتائج "طوائلهم" جمع طائلة أي عداوة، ونتائجها الجايات الصادرة منهم "طولا" بفتح الطاء منا وإنعاما وتفضلا. "أطال" هو أي الطول أو الصفح أو الإضراب الدال عليه أضربت "مقيل النوم في المقل" جمع مقلة وهي شحمة العين التي تجمع السواد والبياض استعار المقيل وهو النوم أو الاستراحة في الظهيرة للنوم، فشبه حصوله في أعينهم واستقراره بالمقيل بمعنى الاستراحة، وكنى بذلك عن لبثه واستقراره بسبب الصفح والعفو عنهم، وكان قبل ذلك نافرا عنهم بسبب الخوف من القتل والغم من الطرد. "رحمت واشج" بمعجمة وجيم مختلط "أرحام" من أضافة الصفة للموصوف أي: أرحاما مختلطة ومتصلا بعضها ببعض.
"أتيح" بضم أوله وكسر الفوقية وسكون التحتية وبالمهملة قدر وقيض "لها تحت الوشيج" بفتح الواو وكسر المعجمة وبالجيم، ما نبت من القنا والقصب ملتفا. قيل: سميت بذلك؛ لأن عروقها تنبت تحت الأرض وقيل: هي عامة الرماح.
"نشيج" بفتح النون وكسر المعجمة وسكون التحتية وبالجيم بكاء يخالطه شهيق "الروع" الفزع "والوجل" الخوف وهما متقاربان، أو مترادفان، فعطف لاختلاف اللفظ والمعنى أن الذين رحمتهم فأمنتهم قرابتهم شديدة الاتصال بك فراعيت القرابة وأزلت عنهم البكاء والحزن لخوفهم من سطوة جيشك الذي نزل بهم فاشتد روعهم ووجلهم.

الصفحة 454