كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

"ماذا قلتم"؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم".
وهم فضالة بن عمير.
__________
"ماذا قلتم" , وكأنه علم أنهم قالوا: بالوحي. "قالوا: لا شيء" قلنا: يؤذيك "يا رسول الله" فإنا لم نلمك على فعل شيء ولا نقصنا قومك "فلم يزل" يتلطف "بهم حتى أخبروه" بما قالوا, فقال صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله" " نصب على المصدر حذف فعل وأضيف إلى المفعول أي أعوذ بالله أن أفعل غير ما وعدتكم به من الإقامة عندكم.
"المحيا محياكم"، أي حياتي حياتكم "والممات مماتكم" والإضافة لأدنى ملابسة أي حياتي وموتي لا يكون إلا عندكم، فكلاهما مصدر ميمي، ويجوز جعلهما زمانين أو مكانين، أي مكان حياتي، ومماتي أو زمانهما عندكم، وهذا أوفق بالسياق وهذا المرسل صح بأتم منه في مسلم، وأحمد وغيرهما عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه، أتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله ويذكره ويدعو بما شاء الله أن يدعو والأنصار تحته، فقال بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إليه فلما قضي الوحي قال: "يا معشر الأنصار"، قالوا: لبيك يا رسول الله. قال: "قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته". قالوا: قلنا ذلك يا رسول الله. قال: "فما اسمي إذًا كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم, المحيا محياكم والممات مماتكم". فأقبلوا إليه يبكون يقولون: والله يا رسول الله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم". الضن: بكسر الضاد المعجمة، وشد النون أي البخل والشح به أن يشركنا فيه أحد غيرنا كما ضبطه الشامي.
ولعله الرواية وإلا ففتحها لغة أيضا، وكان ذلك وقع لطائفتين فبادر بإخبار إحداهما لجزمها وتلطف في سؤال الأخرى لكونها لم تجزم، بل قالت: أترى إلخ.
ويعذرانكم بكسر الذال المعجمة يقبلان عذركم "وهم" بالفتح والتشديد، كما رواه ابن هشام عن بعض أهل العلم "فضالة" بفتح الفاء "ابن عمير بن الملوح" بضم الميم وفتح اللام والواو المشددة، ثم حاء مهملة، الليثي، الصحابي.
ذكره ابن عبد البر في كتاب الدرر في السير له بهذه القصة ولم يذكره في الاستيعاب وهو على شرطه.

الصفحة 459