كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

وفي تفسير العلامة ابن النقيب المقدسي: إن الله تعالى لما أعلمه صلى الله عليه وسلم بأنه قد أنجز له وعده بالنصر على أعدائه، وفتحه مكة وإعلاء كلمة دينه، أمره إذ دخل مكة أن يقول: "وقل جاء الحق وزهق الباطل"، فصار صلى الله عليه وسلم يطعن الأصنام التي حول الكعبة بمحجنه ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل"، فيخر الصنم ساقطا، مع أنها كانت مثبتة بالحديد والرصاص، وكانت ثلاثمائة وستين صنما بعدد أيام السنة.
قال: وفي معنى الحق والباطل لعلماء التفسير أقوال:
__________
"وفي تفسير العلامة" الإمام المفسر "ابن النقيب" جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي، ثم "المقدسي" الحنفي قدم مصر وأقام مدة بالجامع الأزهر وصنف بها تفسيرا كبيرا إلى الغاية وكان عابدا زاهدًا أمارا بالمعروف ويتبرك بدعائه وبزيارته. مات بالقدس في المحرم سنة ثمان وتسعين وستمائة ذكره في العبر "أن الله تعالى لما أعلمه صلى الله عليه وسلم بأنه قد أنجز له وعده بالنصر على أعدائه وفتحه مكة وإعلاء كلمة دينه أمره إذا دخل مكة أن يقول: "وقل جاء الحق" الإسلام أو القرآن "وزهق" اضمحل وتلاشى "الباطل" الكفر، أو الأصنام، أو إبليس "فصار صلى الله عليه وسلم يطعن".
قال الحافظ: بضم العين وفتحها، والأول أشهر "الأصنام التي حول الكعبة بمحجنه" بكسر الميم، وسكون المهملة، وفتح الجيم، فنون عصا محنية الرأس وهذا موافق لرواية الصحيحين، فجعل يطعنها بعود في يده.
وظاهر قوله في رواية البيهقي، وأبي نعيم السابقة أشار إليه بقضيبه أنه مجرد إشارة بلا طعن حقيقي، فيمكن التجوز في قوله أشار عن الطعن بالعود دون أن يمسها بيده الشريفة بأن سمى الطعن إشارة لخفته حتى كأنه ليس بطعن حقيقي، ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل" , ولم يأت بلفظ وقل مع أنها من جملة ما أمر بقوله على صلة أما، لأن المراد أن يتلو وقل ... إلخ.
بدليل ما سيتلى عليك قريبا أنها نزلت يومئذ، وأما لأنها معطوفة على شيء قبله في كلام جبريل كأن يقال أمره أن يقول كذا وكذا ولم يسمعه، وعطف عليه قوله وقل ففهم أن المأمور به جاء الحق دون لفظ، وقل "فيخر" بكسر الخاء يسقط فقوله "ساقطا" تأكيدا أو لدفع توهم أن يراد غير السقوط، لأن خر يستعل لصوت الماء والنائم والمخنق كما في اللغة، "مع أنها كلها كانت مثبتة بالحديد والرصاص، وكانت ثلاثمائة وستين صنما بعدد أيام السنة".
قال الحافظ وغيره: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئا.
"قال" ابن النقيب: "وفي معنى الحق والباطل لعلماء التفسير أقوال" في المراد بهما في

الصفحة 462