كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

قال قتادة: جاء القرآن وذهب الشيطان. وقال ابن جريج: جاء الجهاد وذهب الشرك وقال مقاتل: جاءت عبادة الله وذهبت عبادة الشيطان.
وقال ابن عباس: وجد صلى الله عليه وسلم يوم الفتح حول البيت ثلاثمائة وستين صنما، كانت لقبائل العرب يحجون إليها، وينحرون لها، فشكا البيت إلى الله تعالى فقال: أي رب! حتى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك فأوحى الله تعالى إليه إني سأحدث لك نوبة جديدة، يدفون إليك دفيف النسور، ويحنون إليك حنين الطير إلى بيضها، لهم عجيج حولك بالتلبية. قال: ولما نزلت الآية يوم الفتح قال جبريل عليه الصلاة والسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ.
__________
الآية، وإلا فالحق كما قال التفتازاني هو الحكم المطابق للواقع يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل "قال قتادة: جاء" الحق، أي "القرآن" وزهق "ذهب" الباطل "الشيطان" إبليس اللعين؛ لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك، كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك، "وقال ابن جريج" عبد الملك "جاء الجهاد" أي الأمر به، أو حصل من المسلمين امتثالا للأمر به. "وذهب الشرك" الكفر وتسويلات الشيطان.
"وقال مقاتل: جاءت عبادة الله" في البلد الحرم بإسلام غالب أهله في الفتح، ثم لم يبق قرشي بعد حجة الوداع إلا أسلم كما في الإصابة "وذهبت عبادة الشيطان" وقد روى أبو يعلى، وأبو نعيم، عن ابن عباس لما فتح صلى الله عليه وسلم مكة رن إبليس رنة فجمعت إليه ذريته، فقال: ايئسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومكم، ولكن افشوا فيها يعني مكة النوح والشعر.
"وقال ابن عباس وجد "صلى الله عليه وسلم" يوم الفتح حول البيت ثلاثمائة وستين صنما كانت لقبائل العرب يحجون" يقصدون أي يأتون "إليها وينحرون لها" لتعظيمها.
وعند ابن إسحاق في غير هذا الموضع مع اعترافهم بفضل الكعبة عليها، "فشكا البيت" بلسان القال على المتبادر الظاهر بأن خلقت له قوة النطق بالشكاية، كنطق الجذع وغيره "إلى الله تعالى، فقال: أي رب حتى متى" إلى أي وقت "تعبد هذه الأصنام حولي دونك؟ فأوحى الله تعالى إليه" وحي إلهام، كما أوحى إلى النحل "إني سأحدث لك نوبة جديدة" بالنون جماعة، أي دولة من الناس، "يدفون" بضم الدال، يسرعون "إليك دفيف النسور" أي مثل إسراعها فشبه قدوم الناس له بدفيفها بفاءين وهو تحريك جناحيها للطيران، "ويحنون" بكسر الحاء، يشتاقون "إليك حنين الطير إلى بيضها لهم عجيج" رفع صوت "حولك بالتلبية" الخالصة إلى الله تعالى.
"قال" ابن عباس: "ولما نزلت الآية يوم الفتح، قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ

الصفحة 463