كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

بمخصرتك ثم ألقها، فجعل يأتي لها صنما صنما ويطعن في عينه أو بطنه بمخصرته ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل"، فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا, وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر. فقال يا علي: "ارم به". فحمله عليه الصلاة والسلام حتى صعد ورمى به وكسره, فجعل أهل مكة يتعجبون. انتهى.
__________
بمخصرتك" بكسر الميم قضيبك، كما عبر به في رواية البيهقي المارة، وهو المراد من المحجن والعود "ثم ألقها" أي الأصنام، ولعله أشار إليها حين قال له ذلك إذ هي غير مذكورة في ذي الرواية، "فجعل يأتي لها صنما صنما" أي بعد صنم "ويطعن في عينه أو بطنه" تنويع لا شك وهو حقيقي.
وأما قوله في حديث ابن عمر فيسقط الصنم ولا يمسه فالضمير للمصطفى بدليل رواية من غير أن يمسه بيده لا للعود إذ لا يدله "بمخصرته، ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل" فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا".
وفي رواية ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس، فما أشار إلى صنم في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع حتى ما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أسد الخزاعي:
وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا
وأفاد في روايته أن ذلك كان وهو طائف، فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته، وعند ابن أبي شيبة عن عمر فما وجدنا مناخا في المسجد حتى أنزل على أيدي الرجال، فأخرج الراحلة فأناخها بالوادي، ثم انتهى صلى الله عليه وسلم إلى المقام وهو لاصق بالكعبة، فصلى ركعتين ثم انصرف إلى زمزم، وقال: "لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا". فنزع له العباس دلوا، فشرب منه، وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون ويعجبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط أبلغ من هذا، ولا سمعنا به وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، فقال الزبير لأبي سفيان: قد كسر هبل أما إنك قد كنت يوم أحد في غرور حين تزعم أنه أنعم، فقال أبو سفيان: دع عنك هذا يابن العوام فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان، ثم جلس صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد والناس حوله.
وروى البزار عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم يوم الفتح قاعد وأبو بكر قائم على رأسه بالسيف "وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر" بضم الصاد وكسرها لغة نحاس على شكل القوارير جمع بعضها إلى بعض.
وفي حديث علي وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض, فقال: "يا علي ارم به"، "فحمله عليه الصلاة والسلام حتى صعد ورمى به وكسره، فجعل أهل مكة يتعجبون. انتهى" كلام ابن النقيب وفي سياقه في هذه القصة الأخيرة اختصار، فقد رواه ابن أبي شيبة، والحاكم

الصفحة 464