كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

وعن ابن عباس: لما قدم صلى الله عليه وسلم أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في أيديهما الأزلام، يعني: الأقداح التي كانوا يستقسمون بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتلهم الله، أما والله
__________
عن علي قال: انطلق صلى الله عليه وسلم حتى أتى بي الكعبة، فقال: "اجلس". فجلست إلى جنب الكعبة فصعد على منكبي، ثم قال: "انهض". فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال: "اجلس". فجلست ثم قال: "يا علي اصعد على منكبي". ففعلت، فلما نهض بي خيل لي لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق الكعبة وتنحى صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألق صنمهم الأكبر"، وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال عليه السلام: "عالجه". ويقول لي: "إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا". فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه، وقد أجاد القائل:
يا رب بالقدم التي أوطأتها ... من قاب قوسين المحل الأعظما
وبحرمة القدم التي جعلت لها ... كتف المؤيد بالرسالة سلما
ثبت على متن الصراط تكرما ... قدمي وكن لي منقذا ومسلما
واجعلهما ذخري فمن كانا له ... ذخرا فليس يخاف قط جهنما
"وعن ابن عباس: لما قدم صلى الله عليه وسلم" مكة "أبى" امتنع "أن يدخل البيت" الحرام "وفيه الآلهة،" أي الأصنام، وأطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا يزعمون، وفي جواز إطلاق ذلك وقفة، والذي يظهر كراهته وكانت تماثيل على صور شتى فامتنع من دخول البيت وهي فيه؛ لأنه لا يقر على باطل، ولأنه لا يحب فراق الملائكة، وهي لا تدخل بيتا فيه صورة "فأمر بها فأخرجت".
في حديث جابر عند ابن سعد وأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلا حتى محيت الصور، فكان عمر هو الذي أخرجها والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا مثلا وأخرج ما كان مخروطا ذكره في الفتح، "فأخرجوا صورة إبراهيم، وإسماعيل عليهما السلام في أيديهما الأزلام" جمع زلم بضم الزاي، ويقال: بفتحها واللام مفتوحة فيهما وهو السهم، "يعني الأقداح" جمع قدح بالكسر سهم صغير لا ريش له ولا نصل "التي كانوا يستقسمون" يطلبون القسم والحكم "بها" في الخير والشر مكتوب عليها افعل لا تفعل، فإذا أراد أحدهم فعل شيء أخرج واحدا منها، فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهي كف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قاتلهم الله" أي لعنهم، كما في القاموس وغيره. "أما" بفتح الهمزة، وخفة الميم بعدها ألف حرف استفتاح.
قال الحافظ: كذا رواية بعضهم وللأكثر أم "والله" قال المصنف بحذف الألف للتخفيف

الصفحة 465