كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)
لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط". فدخل البيت وكبر في نواحيه ولم يصل. رواه الترمذي.
__________
"لقد علموا أنهما لم يستقسما بهما قط" قال الحافظ: قيل وجه ذلك أنهم كانوا يعلمون أول من أحدث الاستقسام بها وهو عمرو بن لحي، فكانت نسبتهم إلى إبراهيم وولده ذلك افتراء عليهما. انتهى.
قال الزركشي معنى قط هنا أبدا، ورده الدماميني بأن قط مخصوص باستغراق الماضي من الزمان، وأما أبدا، فيستعمل في المستقبل نحو، لا أفعل أبدًا, {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} "فدخل البيت" وظاهر هذا أنها أخرجت قبل دخوله كظاهر قول جابر لم يدخلها حتى محيت الصور.
ووقع عند الواقدي في حديث جابر، وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل صلى الله عليه وسلم رآها فقال: "يا عمر ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام". ثم رأى صورة مريم، فقال: "امسحوا ما فيها من الصور، قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون".
قال في الفتح وفي حديث أسامة أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى صورا فدعا بماء فجعل يمحوها وهو محمول على أنه بقيت بقية خفيت على من محاها أولا.
وقد حكى ابن عائذ عن سعيد بن عبد العزيز أن صورة عيسى وأمه بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان، فقال: إنكما لبلاد عربية، فلما هدم ابن الزبير البيت ذهبا فلم يبق لهما أثر، وقال عمر بن شبة حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج سأل سليمان بن موسى عطاء أدركت في الكعبة تماثيل؟ قال: نعم أدركت تمثال مريم في حجرها ابنها عيسى مزوقا وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب، قال: متى ذهب ذلك، قال: في الحريق، وبه عن ابن جريج أخبرني ابن دينار أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطلس الصورة التي كانت في لبيت، وهذا سند صحيح ومن طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة، فأمرني فأتيته بماء في دلو، فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصورة، ويقول: "قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون". انتهى.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أن المسلمون تجردوا في الأزر وأخذوا الدلاء، وانجروا على زمزم يغسلون الكعبة ظهرها وبطنها فلم يدعو أثرا من المشركين إلا محوه وغسلوه. انتهى، فلعل صورة مريم كان لا يذهبها الغسل "وكبر في نواحيه ولم يصل" وفي حديث بلال أنه صلى ويأتي قريبا الجمع بوجهين في كلام المصنف.
"رواه الترمذي" كذا في النسخ، وما أظنه إلا سبق قلم أراد أن يكتب البخاري فطغى عليه