كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

وخرج معه صلى الله عليه وسلم ثمانون من المشركين، منهم صفوان بن أمية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها.
__________
مكة في العهد النبوي، وسنه قريب من عشرين سنة، ومعه معاذ بن جبل، يعلمهم السنن والفقه.
وفي الروض قال أهل التعبير: رأى صلى الله عليه وسلم في المنام أسيدا واليا على مكة مسلما، فمات كافرا، فكانت الرؤيا لولده عتاب، حين أسلم ولاه، وهو ابن إحدى وعشرين سن، ورزقه كل يوم درهما، فكان يقول: لا أشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم، وقال عند موته: والله ما اكتسبت في ولايتي كلها قميصا معقدا كسوته غلامي كيسان.
قال الحافظ: مات عتاب يوم مات الصديق، فيما ذكر الواقدي، لكن ذكر الطبري أنه كان عاملا على مكة لعمر سنة إحدى وعشرين، "وخرج معه صلى الله عليه وسلم ثمانون من المشركين", وابن عقبة والواقدي: خرج معه أهل مكة، لم يغادر منهم أحدا ركبانا ومشاة، حتى خرج معه النساء يمشين على غير دين، نظارا ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم "منهم صفوان بن أمية", وهو يومئذ في المدة التي جعل له عليه السلام الخيار فيها، "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع", كما رواه أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن إسحاق في رواية يونس عنه، عن جابر وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم لما أجمع السير إلى هوازن، ذكر له أن عند صفوان أدرعا وسلاحا، فأرسل إليه، وهو يومئذ مشرك، فقال: "يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلقى فيه عدونا". فقال صفوان: أغصبا يا محمد، فقال: "بل عارية مضمونة حتى نردها إليك". قال: ليس بهذا بأس فأعطى له مائة درع بما فيها من السلاح، فسأله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها، فحملها إلى أوطاس "بأداتها" الأنسب قول غيره بآلاتها، أي التروس والخوذ ويقال: إنه استعار منه أربعمائة درع بما يصلها، فإن صح، فالمائة داخلة في الأربعمائة، قال في النور: واختلفوا في قوله عارية مضمونة، هل هو صفة موضحة أو مقيدة، فإن قال بالأول كالشافعي، قال: تضمن إذا تلفت، ومن قال: مقيدة، قال: لا إلا الشرط.
قال السهيلي: واستعار صلى الله عليه وسلم من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح، فقال صلى الله عليه وسلم: "كأني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين".
روى ابن إسحاق والترمذي وصححه، والنسائي عن الحارث بن مالك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حديثو عهد بالجاهلية، فسرنا معه، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة يقال لها: ذات أنواط، يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، فرأينا ونحن نسير سدرة خضراء عظيمة، فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فقال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر".

الصفحة 499