كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

وفي سيرة الدمياطي: كان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوها بين أكتافهم.
وفي حديث جبير بن مطعم: نظرت والناس يقتتلون يوم حنين إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء.
والبجاد: بالموحدة والجيم آخره دال مهملة: الكساء، وجمعه: بجد، أراد الملائكة الذين أيدهم الله تعالى بهم،
__________
وفي رواية، وكانت إياها، أي الهزيمة، ولم يعلم هل أسلم بعد هذا الرجل الذي حدث عبد الرحمن أم لا؟ إلا أن ظاهر سياق الحديث إسلامه، ثم كون الرائي للملائكة مشركا؛ لأنه لا يراها على صورة المقاتلة إلا المشرك؛ لأن القصد إرهابهم، فقد أخرج ابن مردويه، والبيهقي وابن عساكر، عن شيبة بن عثمان قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما خرجت إسلاما، ولكن خرجت إتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت: يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا، قال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر" فضرب بيده في صدري، وقال: "اللهم اهد شيبة". فعل ذلك ثلاث مرات، فوالله ما رفع صلى الله عليه وسلم الثالثة حتى ما أجد من خلق الله تعالى أحب إلي منه، فالتقى المسلمون، فقتل من قتل، ثم أقبل صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ باللجام، والعباس آخذ بالثغر ... الحديث، فإن صح، فلعل عمر تناوب مع العباس في أخذ اللجام، ولعل حكمة عدم رؤية المسلمين لهم، لئلا يعتمدوا عليهم أو يشتغلوا بالنظر إليهم لكون قتالهم خارقا للعادة، فيفوتهم الاجتهاد في الحرب والثواب المرتب عليه، "وفي سيرة الدمياطي كان سيما" خبر مقدم، أي علامات "الملائكة يوم حنين عمائم أرخوها بين أكتافهم،" كما روى عند الواقدي عن مالك بن أوس بن الحدثان، وقال ابن عباس: كانت عمائم خضرا أخرجه ابن إسحاق والطبراني، فيحتمل أن بعضها خضر، وبعضها حمر.
"وفي حديث جبير بن مطعم" عند ابن إسحاق وابن مردويه، وابيهقي وأبي نعيم: "نظرت" قبل هزيمة القوم، أي: المشركين "والناس يقتتلون يوم حنين إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء" نقل بالمعنى، ولفظه رأيت قبل هزيمة القوم، والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة، ولم يكن إلا هزيمة القوم "والبجاد بالموحدة" المكسورة "والجيم" الخفيفة "آخره دال مهملة الكساء، وجمعه بجد أراد الملائكة الذين أيدهم الله تعالى بهم،" لأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض صاروا في ذلك كالبجاد المتصل أجزاؤه بنسجه.

الصفحة 515