كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

قاله ابن الأثير.
وفي البخاري: عن البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم.
__________
وروى الواقدي عن شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا يومئذ كالبجاد السود هوت من السماء ركاما، فنظرنا فإذا نمل مبثوث، فإن كان ننفضه عن ثيابنا، فكان نصر الله أيدنا به، قال شيخنا: ولعل نزولهم في صورة النمل ليظهروا للمسلمين فيسألوا عنه، ويتوصلوا بذلك للعلم بهم، فيعلموا أن ذلك من معجزاته، فقوى بذلك إيمانهم. "قاله ابن الأثير".
وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: في يوم حنين أيد الله تعالى رسوله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين، قال الله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 26] ، وأخرج أيضا عن السدي الكبير في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 26] ، قال: هم الملائكة, {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، قال: قتلهم بالسيف، "وفي البخاري" في مواضع بطرق "عن" أبي إسحاق السبيعي سمع "البراء" بن عازب، "وسأله رجل من قيس". قال الحافظ: لم أقف على اسمه، "أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين" وفي رواية له أيضا: أفررتم م النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن الجمع بينهما بحمل المعية على ما قبل الهزيمة، فبادر إلى إخراجه، "فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر" قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب؛ لأن تقديره أفررتم كلكم، فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: لا والله ما فر صلى الله عليه وسلم ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار، وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية، ويحتمل أن السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25] فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. انتهى.
وفي رواية: أما أنا فأشهد على النبي أنه لم يزل، وفي أخرى: ولا والله ما ولى يوم حنين دبره. وبين سبب التولي بقوله: "كانت" بالتأنيث، كما هو الثابت في البخاري، فما في نسخ: كان بالتذكير تصحيف "هوازن رماة", وللبخاري في الجهاد تكملة لهذا السبب، قال: خرج شبان أصحابه وأخفارهم حسرا، بضم الحاء وشد السين المهملتين، ليس عليهم سلاح، فاستقبلهم جمع هوازن وبنو نصر ما يكادون يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، "وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا" أي: انهزموا، كما هو روايته في الجهاد، "فأكببنا" بفتح الموحدة الأولى وسكون الثانية بعدها نون، أي وقعنا "على الغنائم" وفي الجهاد فأقبل الناس على

الصفحة 516