كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

.... لاقى الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع
وقد قال الطبراني: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة.
__________
يعني أيمن بن عبيد، كما في الاستيعاب وغيره "لاقى الحمام" الموت "بنفسه، لما مسه في الله لا يتوجع" حال من مفعول مسه، يعني أنه أصيب في الحرب، ولم يظهر جزعا، ولا تألما، ومحصل ما ذكره المصنف فيمن ثبت أربعة أقوال أربعة دون مائة: اثنا عشر, عشرة، ومر خامس وهو ثمانون, وسادس وهو مائة.
رواه البيهقي، وغيره عن حارثة بن النعمان إلا أنه يمكن ترجيع دون مائة إلى الثمانين، كما أشار له الحافظ فلا يعد قولا، فهي خمسة فقط، وجمع شيخنا بحمل الأربعة على ما بقي معه آخذا بركابه، والاثني عشر، والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال: اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال: عشرة أراد الأربعة، وستة ممن أسرع وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أعقابهم، ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام، هذا وقد تقدم الاعتذار عمن تولى من غير المؤلفة، بأن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، كما جزم به في الفتح، وكذا حزم في النور بأنهم كانوا أضعاف المسلمين، ولذا تبرأ الشامي في تفسيره للآية مما جزم به غير واحد أنهم كانوا أربعة آلاف، وسبق الاعتذار عنهم باحتمال أن الأربعة آلاف من نفس هوازن، والزائد ممن انضم إليهم من غيرهم، لأنهم أقاموا حولا يجمعون الناس.
"وقد قال الطبري" الإمام ابن جرير في الاعتذار عنهم، "الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود" بلا عذر، "وأما الاستطراد" أي الفرار في الحرب، "للكثرة فهو كالمتحيز إلى فئة" أي جماعة من المسلمين يستنجد بها فليس انهزاما منهيا عنه، واستعمل الاستطراد بمعنى الفرار مجاز؛ لأنه كما في المصباح الفرار كيدا، ثم يكر عليه وتقدير بلا عذر المدلول عليه بمقابلته بعذر الكثرة ليظهر وجه مقابلته لما قبله، وإلا فلا يخفى أنه من أفراده لشموله، لما إذا نوى أن يعود أو لا نية له والفرار للكثرة، لا يخرج عنهما، وفي العيون فرارهم يوم حنين، قد أعقبه رجوعهم إليه بسرعة وقتالهم معه حتى كان الفتح، ففي ذلك نزل قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] كما قال فيمن تولى يوم أحد: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 155] وإن اختلف الحال في الوقعتين، وفي الروض لم يجمع العلماء على أنه الكبائر إلا في يوم بدر، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] ، ثم أنزل التخفيف في الفارين يوم أحد، وهو قوله: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} وكذا أنزل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ

الصفحة 523