كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 3)

مع كثرة عَددهم وعُددهم وقوة شوكتهم، ليطأ رءوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخل عليه الصلاة والسلام واضعا رأسه منحنيا على مركوبه تواضعا لربه، وخضوعا لعظمته أن أحل له بلده، ولم يحله لأحد قبله ولا لأحد بعده، وليبين سبحانه لمن قال: لن نغلب اليوم من قلة، أن النصر إنما هو من عند الله تعالى، وأنه من ينصره فلا غالب له ومن يخذله فلا ناصر له، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتم بها، فإنه لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أرسلت خلع الجبر مع بريد أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها. وقد اقتضت حكمته تعالى: أن خلع النصر وجوائزه إنما تفاض على أهل الانكسار، قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5] .
__________
اختلاف اللفظ "مع كثرة عَددهم" بفتح العين، "وعُددهم" بضمها، "وقوة شوكتهم ليطأ رءوسا رفعت بالفتح" لمكة، والنصر على أهلها، "ولم تدخل بلده وحرمه، كما دخل عليه الصلاة والسلام" فابتلوا بقصة حنين منعا لهم من إظهار الترفع وتنبيها لهم على أن المطلوب منهم التواضع وإظهار الشكر، كما فعل صلى الله عليه وسلم في دخوله "واضعا رأسه منحنيا على مركوبه،" حتى أن ذقنه يكاد يمس سرجه "تواضعا لربه، وخضوعا لعظمته أن أحل له بلده، ولم يحله لأحد قبله، ولا لأحد بعده", كما قال: "ولو قدر أن يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما" وليبين سبحانه لمن قال لن نغلب اليوم من قلة" بناء عى أن قائلها غيره صلى الله عليه وسلم، كما هو الصحيح وغير الصديق رضي الله عنه، "أن النصر إنما هو من عند الله تعالى، وأن من ينصره" يعينه على عدوه، "فلا غالب له، ومن يخذله" بترك نصره، "فلا ناصر له" بعد خذلانه، كما أنزل الله قبل ذلك في الكتاب العزيز: "وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتم بها، فإنها لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أرسلت خلع الجبر", أي بينت لهم علامات النصر الشبيهة بالخلع في إدخال السرور والعز لمن قامت به "مع بريد" أي: رسوله وعلى المؤمنين" فردوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ناداهم العباس بإذنه، {وَأَنْزَلَ جُنُودًا} ملائكة {لَمْ تَرَوْهَا} ، وقد اقتضت حكمته تعالى أن خلع النصر وجوائزه", أي عطاياه جمع جائزة, والمراد ما يترتب على النصر من الفوائد، "إنما تفاض على أهل الانكسار، قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

الصفحة 528