كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

فصل [أحكام "منذ"]
قال صاحب الكتاب: ومنها "منذ"، وهي إذا كانت إسماً على معنيين:
أحدهما: أول المدة كقولك: "ما رأيته منذ يوم الجمعة"، أي: أول المدة التي انتفت فيها الرؤية ومبدؤها ذلك اليوم.
والثاني: جميع المدة كقولك: "ما رأيته منذ يومان"، أي مدة انتفاء الرؤية اليومان جميعاً. و"مذ" محذوفة منها, وقالوا: هي لذلك أدخل في الأسمية, وإذا لقيها ساكن بعدها ضمت رداً إلى أصلها.
* * *
قال الشارح: اعلم أن "مُذْ"، و"مُنْذُ" يختصان بالزمان، فلا يدخلان إلا على زمان، فمحلهما من الزمان محل "مِنْ" من المكان. فـ "مِن" لابتداء الغاية في المكان، ولا يُستعمل في غيره. تقول: "ما سرْتُ مِن بغدادَ"، أي: ما ابتدأتُ السيرَ من هذا المكان. و"مُنْذُ"، و"مُذ" لهذا المعنى في الزمان، ولا يُستعملان في غيره. وذهب الكوفيون (¬1) إلى أن "من" يصلح للزمان والمكان، و"مُذْ"، و"مُنْذُ" لا يصلحان إلَّا للزمان، وتَعلقوا بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} (¬2)، و"أوّلُ يوم" من الزمان؛ وقد دخلتْ "من" على الزمان، ومنه قولُ زُهَيْر [من الكامل]:
634 - لِمَنِ الدِيارُ بقُنةِ الحِجرِ ... أقْوَيْنَ مِن حِجَج ومِن دَهْرِ
¬__________
= اللغة: هَدَاه: تَقَدَمه.
المعنى: إن للفتى عملا يهديهِ إلى الرشاد ما دام حيًّا، وأينما كان.
الإعراب: "للفتى": جار ومجرور بفتحة مقدرة على الألف للتعذر، والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدم. "عقل": مبتدأ مرفوع مؤخر. "يعيشُ": فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل مستتر تقديره: هو. "به": جار ومجرور متعلقان بالفعل "يعيشُ". "حَيث": اسم مبني على الضم في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل "يعيش". "تهدِي": فعل مضارع مرفوع بالضمة. "ساقه": مفعول به منصوب، والهاء: مضاف إليه محله الجر. "قدَمُه": فاعل مرفوع بالضمة، والهاء: مضاف إليه محله الجر.
جملة "للفتى عقل": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يعيش به": صفة لـ"عقل" محلها الرفع. وجملة "تهدِي ساقه قدمه": مضاف إليها محلها الجر.
والشاهد فيه أن الأخفش قال: إِن "حيث" قد تأتي بمعنى الحين كما في هذا البيت.
(¬1) انظر المسألة الرابعة والخمسين في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ص 370 - 376.
(¬2) التوبة: 108.
634 - التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 86؛ والأزهية ص 283؛ وأسرار العربية =

الصفحة 116