كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

و"حِجج" معناه: سِنون، وقد دخل عليها "مِنْ". ولا حجةَ في ذلك لاحتمالِ أنّ يكون المراد بقوله: "من أول يوم": من تأسيسِ أول يوم، ثم حُذف المضاف، وأُقيم المضافُ إليه مُقامه. وقولُ زهير: "من حجج" أي: من مَر حجج، فدخولُ "مِنْ" إنّما هو على الحدث، لا على الزمان. قال سيبويه (¬1): و"مُذْ" تكون ابتداءَ غاية الأيّام والأحيان كما كانت "مِنْ"، لا يدخل واحد منهما على الآخر، يعني أنّ "مُذْ" لا تدخل على "مِنْ"، و"مِنْ" لا تدخل عليها.
و"مُذْ" مخفّفة من "مُنْذُ" بحذف عينها، كما كانت "لَدُ" مخففةَ من "لَدُنْ" بحذف لامها. والذي يدلّ على ذلك أنّك لو سميت بـ "مُذْ"، وصغرتَها, لقلت: "مُنَيْذ"، فتُعيد المحذوفَ. والعرب تستعملهما اسمَيْن وحرفَيْن. والأغلبُ على "مُنْذُ" أن تكون حرفًا، ويجوز أن تكون اسمَا. والأغلبُ على "مُذْ" أن تكون اسما للحذف الذي لحقها، والحذفُ بابُه الأسماء من نحوِ: "يَدٍ"، و"دَمٍ"، والأفعالُ من نحوِ "خُذْ"، و"كُلْ"؛ وأما الحروف، فليس الأصلُ فيها الحذفَ إلَّا أن تكوَن مضاعَفة، فتُخفَف نحوَ: "إن"، ولكِن، و"رُبَّ".
وإنما قل الحذفُ في الحروف, لأن الحذف ضرب من التصرف، والحروفُ لا تصرفَ لها لجُمودها وكونِها بمنزلةِ جزء من الاسم والفعل، وجزءُ الشيء لا تصرفَ له. وشيءِ آخَرَ، وهو أن الحروف إنما جيءَ بها لضرب من الإيجاز والاختصار، وهو النيابةُ عن الأفعال لتُفيد فائدتَها مع إيجاز اللفظ، ألا ترى أنّ همزة الاستفهام نائبة عن
¬__________
= ص 273؛ والأغاني 6/ 86؛ والإنصاف 1/ 371؛ وخزانة الأدب 9/ 439، 440؛ والدرر 3/ 142؛ وشرح التصريح 2/ 17؛ وشرح شواهد المغني 2/ 750؛ وشرح عمدة الحافظ ص 264؛ والشعر والشعراء 1/ 145؛ ولسان العرب 4/ 170 (هجر)، 13/ 421 (منن)؛ والمقاصد النحوية 3/ 312؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 270؛ ورصف المباني ص 320؛ وشرح الأشموني 2/ 297؛ ومغني اللبيب 1/ 335؛ وهمع الهوامع 1/ 317.
اللغة: القنة: أعلى الشيء. الحجر: منازل ثمود عند وادي القرى. أقوين: خلون. مذ حجج: منذ سنوات.
المعنى: يتساءل الشاعر عن ديار قنة الحجر التي خلت منذ سنوات عديدة.
الإعراب: "لمن": جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم للمبتدأ. "الديار": مبتدأ مؤخر مرفوع. "بقنة": جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من "الديار"، وهو مضاف "الحجر": مضاف إليه مجرور. بـ"أقوين": فعل ماضٍ، والنون: ضمير في محل رفع فاعل. "من حجج": جار ومجرور متعلقان بـ "أقوين". "ومن دهر": الواو: حرف عطف، "من دهر": جار ومجرور متعلقان بـ "أقوين".
جملة "لمن الديار": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أقوين": في محل رفع نعت "الديار".
والشاهد فيه قوله: "من حجج"، و "من دهر" حيث جاءت "من" لابتداء الغاية في الزمان، على رأي الكوفيين.
(¬1) الكتاب 4/ 226.

الصفحة 117