كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

و"آنَ" فعل ماض، فلما أُدخل عليه الألف واللام، تُرك على ما كان عليه من الفتح، كما جاء في الحديث أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن قِيلَ وقَالَ (¬1). و"قيل"، و"قال" فعلان ماضيان، فأدخل الخافضَ عليهما، وتركهما على ما كان عليه، وله قولٌ آخرُ أنّ أصله "أوَان"، فحذفوا الواو، وصار "آنَ"، كما قالوا: "رَيَاحٌ"، و"رَاحٌ". وكلا القولَيْن فاسدٌ، أما الأوّل؛ فلأنه لو كان أصلُه "آنَ"، لافتقر إلى فاعل مع أن الأفعال المحكيّة يدخل عليها العواملُ ولا تُؤثر فيها، نحو: "تَأَبطَ شَرا"، و"بَرَقَ نَحْرُهُ"، ولا يدخل عليها الألفُ واللام. فأما الثاني، فحاصلُه راجع إلى المعنى، وليس بعلة للبناء. وذهب أبو إسحاق إلى أن "الآن" إنما تعريفُه بالإشارة، وأنه إنّما بُني لمّا كانت فيه الألفُ واللام لغيرِ عهد متقدم؛ لأنك تقول: "الآنَ فعلت"، ولم يتقدم ذكرُ الوقت الحاضر. وهذا فاسدٌ، أما قوله: إِن تعريفه بالإشارة؛ فإن أسماء الإشارة لا تدخلها لام (¬2)، نحو: "هذا"، و"تِلْكَ".
وأما قوله إنه بُني لأن الألف واللام فيه لغير عهد متقدّم، ففاسدٌ أيضًا؛ لأنّا نجد الألفَ واللام في كثير من الأسماء على غيرِ عهد مع كونِ الأسماء معربة، وتلك الأسماء قولك: "يا أيها الرجلُ"، و"نظرتُ إلى هذا الغلام".
وقد ذهب جماعة ممن ينتمي إلى التحقيق والحِذْق بهذه الصناعة إلى أنه مبني لتضمنه لامَ التعريف، وتلك اللامُ غيرُ اللام الظاهرة فيه، على حد بنائه في "أَمْسِ". وتلك اللامُ المقدرةُ هي المُعرفة، وذلك لأنه معرفة. وتعريفُه لا يخلو إمّا أن يكون بما فيه من اللام الظاهرة كما يظن بعضُهم، أو أنه من قبيل سائر المعارف، فلا جائزٌ أن يكون تعريفه بما فيه من اللام؛ لأنّا استقرينا جميعَ ما فيه لامُ التعريف، فإذَا إسقاطُ لامه جائزٌ،
¬__________
= 230 (مخض)، 13/ 417 (منن)؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص 3، 342؛ وجمهرة اللغة ص 608؛ وشرح عمدة الحافظ ص 836؛ ولسان العرب 11/ 177 (حمل)، 14/ 48 (أني).
اللغة: تَمَخضَ: تحرَك. المنون. الموت: أنى: أدرك وبلغ مداه.
المعنى: لقد أوشك أن يلقى حتفه ويقترب أجله بعد أن وصل إلى ذروته، وانظر بحكمة وتعقل؛ فإن لكل حياة نهاية، ولكل أجل كتاب، ولكل حمل مدة ينتهي فيها وتتم مدته.
الإعراب: "تمخضت": فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: تاء التأنيث لا محل لها من الإعراب. "المنون": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "له": جار ومجرور متعلقان بالفعل تمخضت. "بيوم": جار ومجرور متعلقان بالفعل تمخضت. "أنى": فعل ماض مبني على الفتح المقدر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. "ولكل": الواو: استئنافية، "لكل": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. "حاملة": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "تمام": مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
جملة "تمخضت المنون": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أنى": في محل جر صفة لـ"يوم". وجملة "لكل حاملة تمام": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه مجيء "أنى" فعلًا بمعنى: حان وقت الشيء.
(¬1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 122.
(¬2) يريد "أل".

الصفحة 132