كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

نحو: "الرجل", و"رجل", و"الغلام", و"غلام"، ولم يقولوا: "أفعلُ آنَ ذلك" كما قالوا: الآنَ، فدل ذلك على أن اللام فيه ليست للتعريف. وإذا لم تكن للتعريف، كانت زائدة على حد زيادتها في "الذِي" و"التِي". ألا ترى أن تعريفَ "الذي" و"التي" بالصلة لا بما فيه من اللام. يدل على ذلك أنّ "مَنْ"، و"مَا" معارفُ، وليس فيهما لام، فعلمتَ بذلك أن التعريف بالصلة لا باللام.
وإذا ثبت أنها زائدةٌ، لم تكن المُعرفةَ، وليس بمضمرِ؛ لأن المضمرات محصورة، وليس "الآنَ" منها؛ وليس أيضًا بعَلَم؛ لأن العَلَم يقع على كلّ شيء بعينه، و"الآنَ" يقع على كل وقتٍ حاضر لا يخصّ بعضَ ذلك دون بعض.
وليس من أسماء الإشارة لِما ذكرناه من دخول اللام عليه، واللامُ لا تدخل على أسماء الإشارة. وليس بمضافٍ، لأنّا لا نُشاهد مضافًا إليه. وإذا ثبت أنّه معرفة، وليس من أنواع المعارف الأربعة، تَعين أن يكون معرفة باللام المقدرة فيه، كما قلنا في "أَمْسِ"، لتعذرِ أن يكون التعريف بهذه اللام الظاهرة فيه.
والذي أراه أن تعريفه بما فيه من اللام الظاهرة، وأما لزومُها، فعلى حسبِ إرادة معنى التعريف فيها بخلاف "الرجل" و"الغلام"، فإنه لم تلزمهما اللامُ؛ لأنهما يُستعملان معرفة ونكرة، فإذا أُريد النكرة، لم يأتوا باللام، وإذا أرادوا المعرفة، ألحقوهما اللامَ، وكذلك نظائرُهما. وأما "الآنَ"، فلما أُريد به المعرفة ألبتّة، لزمت أداتُه. وأمّا علةُ بنائه؛ فلإبهامه ووُقوعِه على كلّ حاضر من الأزمنة، فإذا انقضى، لم يصلح له، ولزمه حرفُ التعريف، فجرى مجرى "الذي" و"التي"، فاعرفه.
وأما "مَتَى"، فسؤالٌ عن زمانٍ مبهم يتضمن جميعَ الأزمنة، فإذا قيل: "متى الخروجُ؟ " فتقول: "اليومَ"، أو"الساعةَ"، أو"غدًا". والمرادُ بها الاختصار، وذلك أنّك لو سألت إنسانًا عن زمنِ خروجه، لكان القياسُ: "اليومَ تخرج، أم غدًا، أم الساعة؟ " والأزمنةُ أكثرُ من أن يحاط بها، فإذا قلت: "مَتَى"، أغنى عن ذكر ذلك كلّه. وهي مبنيّة على السكون؛ لأنها وقعت موقعَ حرف الاستفهام، وهو الألف، وأصلُ الاستفهام بحروف المعاني، وبُنيت على السكون على أصل البناء، ولم يلتق في آخرها ساكنان، فيجبَ التحريكَ لذلك.
وأما "أَيْنَ"، فظرف من ظروف الأمكنة، وهو مبني لتضمنه همزة الاستفهام. والغرضُ به أيضًا الإيجازُ والاختصار، وذلك أنّ سائلًا لو سأل عن مستقَر زيد، فقال: "أفي الدار زيدٌ، أفي المسجد زيد؟ " ولم يكن في واحد منهما، فيُجيب المسؤول بـ "لا"، ويكون صادقًا. وليس عليه أن يُجيب عن مكانه الذي هو فيه؛ لأنه لم يُسأل إلَّا عن هذَيْن المكانَيْن فقط. والأمكنةُ غيرُ منحصرة، فلو ذهب يُعدِّد مكانًا مكانًا، لقَصَرَ عن استيعابها،

الصفحة 133