كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

سبيلِ الاستغراق، تقول: "ما رأيته قَط"، و"لا أَفْعَلُه عَوْضَ" ولا يُستعملان إلَّا في موضع النفي. قال [من الطويل]:
649 - رَضِيعَي لِبان ثَدْيَ أُم تَقاسَمَا ... بأَسْحَمَ داج عَوْضَ لا نَتَفَرقُ
وقد حُكي "قُط" بضم القاف، و"قَطُ" خفيفةَ الطاء، و"عَوْضُ" مضمومة.
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ قَط بمنى الزمان الماضي، يقال: "ما فعلتُه قَط"، ولا يقال: "لا أفعلُه قطّ". وهي مبنية على الضم؛ لأنها ظرفٌ. وأصلُ الظروف أن تكون مضافة، فلما قُطعت عن الإضافة، بُنيت على الضم كـ"قَبْلُ" و"بَعْدُ". قال الكسائي: كان "قَطُط" على زنةِ "فَعُل" كـ"عَضُد"، فلما سكن الحرفُ الأول للادّغام، حُرك الآخر بحركته. والذي أراه أنه "فَعْل" كـ"قَبْل" و"بَعْد"؛ لأنّ الحركة زيادة، ولا يُحكَم بها إلَّا بدليل، ولأن أكثرَ ظروف الزمان كذلك، نحو: "يَوْم"، و"شَهْر"، و"دَهْر". ومنهم منٍ يقول: "قُط"، بضم القاف والطاء، يُتْبع الضم الضم، مثلَ "مُدُّ" و"شُدُّ"، ومنهم من يُخفف، فيحذف إحدى الطاءين تخفيفًا، ويُبقِي الحركةَ بحالها دلالة وتنبيها على أصلها، كما قالوا: "رُبَ" حين خففوها، أبقوا الفتحةَ دلالة على المحذوف. ومنهم
¬__________
649 - التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 275؛ وأدب الكاتب ص 407؛ وإصلاح المنطق ص 297؛ والأغاني 9/ 111؛ وجمهرة اللغة ص 905؛ وخزانة الأدب 7/ 138، 140، 143، 144؛ والخصائص 1/ 265؛ والدرر 3/ 133؛ وشرح شواهد المغني 1/ 303؛ والصاحبي في فقه اللغة ص 156؛ ولسان العرب 7/ 192 (عوض)، 12/ 282 (سحم)، 13/ 375 (لبن)؛ ومغني اللبيب 1/ 150؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص 240؛ وهمع الهوامع 1/ 213.
اللغة: اللبان: اللبن. الأسحم: الأسود، ويقال هو الدم، أو الليل، أو الثدي. عوض: اسم من أسماء الدّهر.
المعنى: تعاهد أخوان رضعا لبن ثدي أمّ واحدة أن لا يتفرقا كل الدهر، وأقسما على ذلك بالدم أو بالليل، أو بحلمة الثدي الذي رضعا.
الإعراب: "رضيعي": صفة "مقرورين" في بيت سابق، مجرورة بالياء لأنها مثنى. "لبان": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "ثدي": مفعول به منصوب على التشبيه بالمفعول به للصفة المشبهة "رضيع" وهو مضاف. "أم": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "تقاسما": فعل ماض مبني على الفتح، والألف: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "بأسحم": جار ومجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف، متعلقان بـ "تقاسما". "داج": صفة مجرورة بالكسرة المقدّرة على الياء المحذوفة. "عوض": ظرف لما يستقبل من الزمان في محل نصب مفعول فيه، متعلق بالفعل "نتفرق". "لا": نافية لا عمل لها. "نتفرّق": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: نحن.
وجملة "تقاسما": في محلّ جرّ صفة. وجملة "لا نتفرق": جواب قسم لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "عوضَ" حيث جاء ظرفًا للاستقبال، ولا يكون إلَّا منفيًّا.

الصفحة 138