كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

قال الشارح: لما كانت المبنيّات منقسمة إلى مفرد ومركب، وتقدم الكلامُ على المفرد منها، إذ كان المفردُ أصلًا للمركب، وجب أن ينتقل إلى الكلام على الأسماء المركبة، والمركب من الأسماء ضربان ضرب يجب فيه البناء لكِلَا الاسمين، نحو: "أَحَدَ عَشَرَ"، و"خَمسَةَ عَشَرَ"، ونحوهما، و"حَيْصَ بَيْصَ" ونحوها مما ذكره في هذا الفصل. وضربٌ آخر يُبنى فيه الاسم الأوّل دون الثاني، وهو"قَالِي قلا" و"حَضْرَمَوْتُ" ونحوهما، وسيُذكر الفصل بينهما بعدُ، إن شاء الله تعالى.

فصل [الفرق بين ضربي المركبات]
قال صاحب الكتاب: والذي يفصل بين الضربين أن ما تضمن ثانية معنى حرف, بني شطراه لوجود علتي البناء فيهما معاً, أما الأول, فلأنه تنزل منزلة صدر الكلمة من عجزها، وأما الثاني, فلأنه تضمن معنى الحرف, وما خلا ثانيه من التضمن أعرب وبني صدره.
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ التركيب على ضربَيْن: تركيب من جهة اللفظ فقط، وتركيب من جهة اللفظ والمعنى. فأما التركيبُ من جهة اللفظ فقط، فهو الضرب الأول من التركيبَيْن اللذَيْن ذكرهما، وهو في الأعداد، نحو: "أَحَدَ عَشَرَ" وبابِه، و"لقيتُه كَفةَ كَفةَ"، و"حَيْصَ بَيْصَ"، ونحوهما. فهذا يجب فيه بناء الاسمَيْن معًا. وذلك لأنّ الاسم الثاني قد تضمن معنى الحرف. ألا ترى أن الأصل في "أحد عشر": "أحدٌ، وعَشَرَةٌ"، فحُذفت الواو من اللفظ، والمعنى على إرادتها؟ ألا ترى أن المراد "أحد وعشرة"؟ فـ "عشرة" عدّة معلومة أضيفت إلى العدد الأول، فكمل من مجموعهما مقدارٌ معلومٌ، فهما اسمان، كل واحد منهما منفرد بشيء من المعنى، فلما كانت الواو مرادة؛ تَضمنها الاسمُ الثاني، وبُني لذلك، وبُني الاسم الأول؛ لأنه صار بالتركيب كبعضِ اسم بمنزلةِ صدر الكلمة من عَجُزها، فهما علتان. وكذلك باقي هذا الضرب من نحو: "كَفةَ كَفةَ"، و"خَازِ بَازِ"، وسيوضَح ذلك إن شاء الله تعالى.
وأمّا الضرب الثاني، وهو المركّب من جهة اللفظ والمعنى، نحو: "حَضْرَمَوْتَ"، و"قَاليقَلا"، و"مَعديكَربَ" ونحوها من الأعلام المركبة، فهذا أصله الواو أيضًا، حُذفت من اللفظ، ولم تُرَدْ من جهة المعنى، بل مُزج الاسمان، وصارا اسمًا واحدًا بإزاء حقيقة، ولم ينفرد الاسم الثاني بشيء من معناه، فكان كالمفرد غير المركب، فبُني الاسم الأوّل؛ لأنه كالصدر من عجز الكلمة، وجزءُ الكلمة لا يُعرَب؛ لأنّه كالصوت. وأُعرب الثاني؛ لأنه لا يتضمن معنى الحرف، إذ لم يكن المعنى على إرادته, لأنّ العَلَم إنما هو وَضْعُ لفظ بإزاء مسمى من غيرِ إفادة معنى من اللفظ، وقد ذكر صاحبُ الكتاب "بَادِي بَدَا"،

الصفحة 144