كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

"لقيتُه قائمَين"، تريد حالًا منك، وحالًا منه، نحوَ قول الشاعر [من الوافر]:
مَتَى ما تَلْقَني فَرْدَيْن تَرْجُفْ ... رَوانِفُ ألْيَتَيْكَ وتُسْتَطارَا (¬1)
* * *
قال صاحب الكتاب: و"صَحْرَة وَبَحْرَة"، أي: ذَوَيْ صحرةِ وبحرةِ، أي: انكشاف واتساع لا سُتْرةَ بيننا. ويُقال: "أخبرتُه بالخبر صحرةَ بحرةَ"، ويقولون: "صحرةً بحرةً نَحْرَة"، فلا يبنون لئلا يمزُجوا ثلاثةَ أْشياءَ، وهو "جارِي بَيتٌ إلى بيتٍ، أو بيتٌ لبيتٍ"، أي: هو جاري مُلاصِقًا، و"وقع بَينَ هذا، وبين هذا". قال عَبِيد [من مجزوء الكامل]:
656 - [نَحْمي حَقيقَتَنا] وَبَعْضُ ... القَوْمِ يَسْقُطُ بَينَ بَيْنَا
* * *
قال الشارح: يُقال: "لقيتُه صَحْرَةَ بَحْرَةَ"، أي: ليس بيني وبينه ساتر، وهما مركبان، والتقديرُ: صحرة وبحرة، فحُذفت الواو، وتضمن الكلامُ معناها، فبُني لذلك، وفُتح للخفة، وموضعُهما حال. والتقدير: لقيتُه بارزًا، واشتقاقُهما من "الصحْراء"، و"البَحْر"، و"صحرة" و"بحرةٌ" مصدران، أي: ذوَيْ صحرةٍ وبحرةٍ، أي: ذوي انكشافٍ واتّساع. ويقولون: "لقيتُه صَحْرَةً بَحْرَةً نَحْرَةً"، فيُعربونها، وينصبونها منونة؛ لأنّهم لا يُركبون ثلاثة أشياء اسمًا واحدًا، و"نَحْرَة" من "نَحْرِ الشهْر"، وهو أولُه، أي: لقيتُه مكشوفصا نهارًا.
¬__________
(¬1) تقدم بالرقم 275.
656 - التخريج: البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص 141؛ وخزانة الأدب 2/ 213؛ والدرر 6/ 324؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 49؛ وشرح شواهد المغني 1/ 258؛ والشعر والشعراء 1/ 273؛ ولسان العرب 13/ 66 (بين)؛ واللمع ص 242؛ والمقاصد النحوية 1/ 491؛ وهمع الهوامع 2/ 229؛ وبلا نسبة في الدرر 3/ 122؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص 106؛ وهمع الهوامع 1/ 212.
اللغة: الحقيقة: ما يجب الحفاظ عليه كالعرض والنفس ونحوهما.
المعنى: إننا نحافظ على ما يجب الحفاظ عليه، ونبذل في سبيل ذلك كلّ غالٍ ونفيس، وبعضنا يستميت في سبيل الدفاع عن هذه الحقيقة.
الإعراب: "نحمي": فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. "حقيقتنا": مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. "وبعض": الواو: حالية، و"بعض": مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف. "القوم": مضاف إليه مجرور. "يسقط": فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. "بين بينا": اسم مبني على فتح الجزأين في محلّ نصب مفعول فيه، متعلّق بمحذوف حال من الضمير المستتر في "يسقط "، والألف: للإطلاق.
وجملة "نحمي حقيقتنا": لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية أو استئنافية. وجملة "بعض القوم يسقط": في محل نصب حال. وجملة "يسقط": في محلّ رفع خبر المبتدأ "بعض".
والشاهد فيه استعمال "بين بين" بمعنى: بين هذا وبين هذا.

الصفحة 150