كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

والأصل القصر، والمد إشباعُ فتحةِ الهمزة، ومنه قولُ الهُذَليّ [من الكامل]:
530 - بَيْنَا تَعَنقِه الكُماةَ ورَوْغِه ... يَوْمًا أُتِيحَ له جَرِيءٌ سَلْفَعُ
والمراد: بينَ أوقاتِ تعنقه. قالوا في "بَيْنَ": "بَيْنَا"، وهي مبنية لوقوعها موقعَ فعلِ الأمر، وفُتحت لالتقاء الساكنين على حد "رُوَيْدَ"، و"أيْنَ"، و"كَيْفَ". فأمّا قول أبي العباس في "آمِينَ": بمنزلةِ "عَاصِينَ"، فإنّه إنّما يريد به أنّ الميم خفيفة كصادِ "عاصين" لا أنه جمعٌ. وقال أبو الحسن: "آمِينَ" اسمٌ من أسماء الله تعالى. والوجهُ الأول، إذ لو كان كذلك، لم يكن مبنيًا، ويؤيد ذلك قولُه تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} (¬1)، كما جاء في الخبر أن موسى كان يدعو، وأخاه كان يُؤمِّن، والاسمُ الواحد لا يُقال له دعاءٌ.
* * *

[أسماء الفعل التي هي أسماء أخبار]
قال صاحب الكتاب: وأسماءُ الأخبار، نحوُ: "هَيهاتَ ذاك" أي: بَعُدَ، وَ"شَتّانَ زيد وعمرو"، أي: افْتَرَقَا، وتَبايَنَا، و"سَرْعانَ ذا إهالة" (¬2)، أي: سَرُعَ، و"وَشْكانَ ذا
¬__________
530 - التخريج: البيت لأبي ذؤيب في الأشباه والنظائر 2/ 48؛ وخزانة الأدب 5/ 258، 7/ 71، 73، 74؛ والدرر 3/ 120؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 25، 2/ 710؛ وشرح أشعار الهذليين 1/ 37؛ وشرح شواهد المغني 1/ 263، 2/ 79؛ ولسان العرب 13/ 65 (بين)؛ وبلا نسبة في الخصائص 3/ 122؛ ورصف المباني ص 11؛ وهمع الهوامع 1/ 211.
اللغة: الكماة: جمع كمي وهو المقاتل الذي ستر نفسه بالسلاح. روغه: مصدر راغ أي: مال وحاد عن الشيء. جريء: ذو جرأة. سلفع: جسور واسع الصدر.
المعنى: إن هذا البطل الشجاع بينما كان يعانق الشجعان، ويروغ عنهم، أي يلتحم بهم أحيانًا ويبتعد أخرى، قدّر له شجاع جسور ذو جرأة فأرداه قتيلًا. والمراد: أن الشجاع لا تعصمه شجاعته وجرأته من الموت.
الإعراب: "بينا": ظرف مكان منصوب متعلق بالفعل "أتيح"، والألف: للإشباع. "تعنقه": مضاف إليه مجرور، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "الكماة": مفعول به منصوب للمصدر "تعنقه". "وروغه": الواو: حرف عطف، "روغه": اسم معطوف على "تعنُّقه" مجرور مثله، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "يومًا": مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالمصدر "تعنّقه". "أتيح": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتحة الظاهرة. "له": جار ومجرور متعلقان بالفعل "أتيح". "جريء": نائب فاعل مرفوع بالضمة. "سلفع": صفة لـ "جريء" مرفوعة مثلها.
جملة "أتيح له جريء": ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "بينا تعنُّقه" حيث أشبع الفتحة في "بين" فصارت "بينا"، ويجوز إضافة "بينا" دون "بينما" إلى المصدر، كما في هذا البيت.
(¬1) يونس: 89.
(¬2) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال 1/ 519؛ وجمهرة اللغة ص 715، 878؛ ولسان العرب 8/ 152 (سرع)؛ ومجمع الأمثال 1/ 336. =

الصفحة 18