كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

فإن كان ثلاثيًّا، نظرتَ، فإن كانت ألفُه منقلبة عن ياء، رددتَها في التثنية إلى الياء، كقولك في "رَحًى": "رَحَيانِ"، وفي "فَتًى": "فَتَيانِ". قال الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} (¬1).
فإن قيل: فمن أين علمتم أن ألفَ "رحى"، و"فتى" من الياء؟ قيل: لقولهم فيه: "رَحَيْتُ بالرحى" إذا طحنت بها، ولقولهم في جمعِ "فَتًى": "فِتْيانٌ" و"فِتْيَةٌ"، فظهورُ الياء فيما ذكرنا دليلٌ على أنّها من الياء.
فإن قيل: ففي "رحى" لغتان: يُقال: "رحَيْت بالرحى"، و"رحَوْت" بالياء والواو، فلِمَ قلتم: "رَحَيانِ" لا غيرُ؟ قيل: الحكمُ في التثنية على الغالب الأكثر، والأكثرُ: "رحيت" بالياء. قال الشاعر [من الوافر]:
682 - كَأنَّا غُدْوَةً وَبَنِي أبِينَا ... بجَنْبِ عُنَيْزَةٍ رَحَيَما مُدِيرِ
فإن كانت الألف منقلبةً عن واو، رددتَها في التثنية إلى الواو، نحوَ: "قَفًا"، و"عَصًا"، و"رَجًا" واحدِ أرْجاءِ البِئْر، وإنّما قالوا في "قَفُا": "قَفَوانِ"، لقولك: "قَفَوْتُ الرجلَ" إذا تبعتَه من خَلْفه، وفي "عصًا": "عَصَوانِ"، لقولك: "عَصَوْتُه بالعصا" إذا ضربتَه بالعصا، وتقول في "رَجًا": "رَجَوانِ". قال الشاعر [من الوافر]:
683 - فَلَا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ إنّي ... أقَلُّ القَوْمِ مَن يُغْنِي مَكانِي
¬__________
(¬1) يوسف: 36.
682 - التخريج: البيت للمهلهل بن ربيعة التغلبي في ديوانه ص 43؛ وأدب الكاتب ص 257؛ وجمهرة اللغة ص 642؛ وخزانة الأدب 8/ 327؛ ولسان العرب 14/ 312 (رحا)؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص 321.
شرح المفردات: الغدوة: ما بين الفجر وطلوع الشمس، والغداة كذلك. بنو أبينا: إخوتنا. عنيزة: اسم موضع جرت فيه معركة بين بكر وتغلب. الرحيان: حجرا الطاحون. المدير (هنا): من يدير الحجر الأعلى ليطحن الحب. يشبه معركتهم في صباح هذا اليوم بحجري الطاحون، وهم وإخوتهم الحبوب التي تُطحن.
الإعراب: "كأنا": حرف مشبّه بالفعل، و"نا": ضمير متصل مبني في محلّ نصب اسم "كأن". "غدوة": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بحال محذوفة مقدمة من خبر "كأنّ": "رحيا". "وبني": الواو: واو المعيّة، "بني": مفعول معه منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. "أبينا": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "بجنب": جارّ ومجرور متعلّقان بصفة محذوفة للرحيان. "عنيزة": مضاف إليه مجرور بالكسرة "رحيا": خبر (كأن) مرفوع بالألف لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة. "مدير": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
جملة "كأنا رحيا مدير": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "رحيا مدير" حيث جاء بالمثنى من "رحيت"، ولم يأتِ بها من "رحوت".
683 - التخريج: البيت لعبد الرحمن بن الحكم في الاقتضاب في شرح أدب الكاتب ص 366؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 257؛ ولساب العرب 14/ 310 (رجا). =

الصفحة 197