كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

"ما أحسن رؤسهما! " وفي التنزيل: {فاقطعوا أيديهما} (¬1) وفي قراءة عبد الله {أيمانهما} (¬2) , وفيه: {فقد صغت قلوبكما} (¬3).وقال [من السريع]:
691 - [ومهمهين قذفين مرتين] ... ظهراهما مثل ظهور الترسين
فاستعمل هذا والأصل معاً. ولم يقولوا في المنفصلين: "أفراسهما", ولا "غلمانهما". وقد جاء: "وضعا رحالهما".
* * *
قال الشارح: اعلم أن كلَّ ما في الجَسد منه شيءٌ واحدٌ لا ينفصل كالرأس، والأنف، واللسان، والظهر، والبطن، والقلب، فإنّك إذا ضممتَ إليه مثلَه؛ جاز فيه ثلاثةُ أوجه: أحدُها الجمع، وهو الأكثر، نحو قولك: "ما أحسن رؤُوسهما! " قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬4). وإنّما عبّروا بالجمع، والمرادُ التثنية من حيث إنّ التثنية جمعٌ في الحقيقة؛ ولأنه ممّا لا يُلْبِس ولا يُشكِل؛ لأنّه قد عُلم أنّ الواحد لا يكون له إلا رأسٌ واحدٌ، أو قلب واحد، فأرادوا الفصل بين النوعَيْن، فشبّهوا هذا النوع بقولهم: "نحن فعلنا"، وإن كانا اثنين في التعبير عنهما بلفظ الجمع. وكان الفرّاء يقول: إنّما خُصّ هذا النوع بالجمع نظرًا إلى المعنى؛ لأنّ كلَّ ما في الجسد منه شيءٌ واحدُ فإنّه
¬__________
(¬1) المائدة: 38.
(¬2) انظر: تفسير الطبري 10/ 294، 295.
(¬3) التحريم: 4.
691 - التخريج: البيت لخطام المجاشعي في خزانة الأدب 2/ 314؛ والدرر 1/ 116، 118، 166؛ والكتاب 2/ 48؛ ولسان العرب 2/ 89 (كرت)؛ وله أو لهميان بن قحافة في خزانة الأدب 7/ 544، 547؛ والمقاصد النحويَّة 4/ 89؛ ولهميان في الكتاب 3/ 622؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 302، 7/ 539، 572؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 194؛ وهمع الهوامع 1/ 40، 51.
اللغة: المهمهان: مثنى المهمه، وهو الصحراء المقفرة. القذف: البعيدة الأرجاء، الواسعة. رجل مرت: ليس له شعر بحاجبيه، وأراد وصف الصحراء بخلوّها من النبت صغيره وكبيره. الترسان: مثنى الترس، وهو ما يُتَّقى به ضربات السيف وغيره.
الإعراب: "ومهمهين": الواو: واو "ربّ"، حرف جرّ زائد، و"مهمهين": اسم مجرور لفظًا مرفوع محلاً على أنّه مبتدأ. "قذفين": نعت "مهمهين" مجرور باعتبار اللفظ. "مرتين": نعت ثانٍ لـ "مهمهين". "ظهراهما": مبتدأ مرفوع بالألف لأنّه مثنى، وهو مضاف، و"هما": ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. "مثل": خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. "ظهور": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. "الترسين": مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثّنى.
وجملة المبتدأ والخبر: في محلّ جرّ نعت لـ "مهمهين".
والشاهد فيه قوله: "ظهراهما مئل ظهور الترسين" حيث ورد المضاف مثنّى، والمضاف إليه مثنًى أيضًا في قوله: "ظهراهما". وورد المضاف في "ظهور الترسين" جمعًا، والمضاف إليه مثنًى، وهذا جائز لأنّ العرب تنزل المثنّى منزلة الجمع، نحو قول الاثنين: "نحن فعلنا".
(¬4) التحريم: 4

الصفحة 210