كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

والنون عوضًا منه، فإن "أرضًا" اسمٌ مؤنثٌ، والقياسُ في كل اسم مؤنّث أن يدخله علمُ التأنيث، للفرق بينه وبين المذكّر، نحو: "قائم"، و"قائمة"، و"ظريف"، و"ظريفة"، و"رَجُل"، و"رَجُلَة" وأمّا ما تُركت منه العلامةُ، فللخفّة والثِّقةِ بدلالةِ باقي الكلام عليه، قبله أو بعده، و"أرْضٌ" مؤنّثةٌ، فكان فيها هاءٌ مرادةٌ، وكان التقدير: أَرْضَةٌ، فلمّا حُذفت الهاء التي كان القياس يُوجِبها ويستحِقّها عَلَمُ الفرق، عوّضوا منها الجمعَ بالواو والنون، فقالوا: "أَرَضونَ"، وفتحوا الراء في الجمع، ليدخل الكلمةَ ضربٌ من التغيير استيحاشًا من أن يوفوه لفظَ التصحيح ألبتّةَ، وليُعْلِموا أيضًا أن "أرضًا" ممّا سبيلُه لو جُمع بالتاء أن يُفتَح راؤه، فيقال: "أرَضاتٌ"؛ لأنّ "فَعْلَةَ" إذا كان اسمًا، وجُمع بالألف والتاء، فإنّ عينه تُحرَّك في الجمع بالفتح أبدًا، نحو قولهم في "جَفنَةٍ": "جَفَناتٌ"، وفي "قَضعَةٍ": "قَصَعاتٌ"، فرقًا بين الاسم والصفة.
وأمّا "حَرَّةٌ"، فهي أرضٌ ذاتُ حجارة سُود كالمُحْرَقة، يقال: "حَرَّةٌ"، و"أَحَرَّةٌ"، والجمعُ "حَرُّون" و"أَحَرَّونَ"، قال الشاعر [من الرجز]:
696 - لا خِمْسَ إلا جَنْدَلُ الأَحَرِّينْ ... والخِمْسُ قد أَجْشَمَكَ الأمَرَّينْ
وأصله: "أَخرَرَةٌ" على زنةِ "أَفْعَلَةَ"، فكرهوا اجتماعَ مثلَيْن متحرّكَيْن، فنُقلت حركةُ الأول إلى ما قبله، وهي الحاء، ثمّ ادُّغم أحدهما في الآخر. ومثله "إوزَّةٌ" و"إِوَزُّونَ". قال الشاعر [من البسيط]:
697 - تلْقى الإوَزُّونَ في أَكْنافِ دارَتِها ... فَوْضًى وبين يَدَيها التِّيْنُ مَنْثُورُ
¬__________
696 - التخريج: الرجز لزيد بن عتاهية في شرح شواهد الإيضاح ص 540؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 96، 1334؛ ورصف المباني ص 433؛ وسرّ صناعة الإعراب ص 617.
اللغة: الجندل: مكان في مجرى النهر فيه حجارة يشتدّ عندها جريان الماء. الأحرون: جمع الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود. الخِمْس (في الطبعتين: "خَمْس"، وهذا تحريف): أن يفصل بين ورود الماء والورود التالي له ثلاثة أيام. أجشمك: كلّفك الأمرّان: الفقر والمرض، أو الهرم والمرض، أو الشرّ والأمر العظيم، والأمرّون: الدواهي.
الإعراب: "لا": نافية للجنس تعمل عمل "إنّ". "خمس": اسم "لا" مبني على الفتح في محلّ نصب. "إلا": حرف حصر. "جندل": خبر "لا" مرفوع بالضمّة، وهو مضاف. "الأحرين": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم. "والخمس": الواو: حرف استئناف. "الخمس": مبتدأ مرفوع بالضمّة. "قد": حرف تحقيق وتقريب. "أجشمك": فعل ماضٍ مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والكاف: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به أوّل. "الأمرين": مفعول به ثانٍ منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
وجملة "لا خمس ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "الخمس قد أجشمك": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أجشمك": في محل رفع خبر.
والشاهد فيه قوله: "الأحرين" حيث جاء جمع مذكر سالمًا لـ "الحرّة".
697 - التخريج: البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص 46؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة، ص 1335؛=

الصفحة 217