كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

بدلَيْها، وهو التنوين؛ حُذفت مع الإضافة مع ثبوت أحد بدلَيْها، وهو الحركة، ليعتدلا.
فإن قيل: فهلّا عُكس الأمر فيهما؟ فالجواب أنّ الإضافة تقتضي الاتّصالَ؛ لأنّ المضاف إليه داخلٌ في المضاف من تمامه، والنونُ تفصل الاسمَ ممّا بعده، فكان إثباتُ النون مع الإضافة نقضًا للغرض بالإضافة. والألفُ واللام يفصلان الاسمَ ممّا بعده؛ لأنهما يمنعان الإضافةَ على حد منع النون؛ فكأنّ في ثبوت النون مع الألف واللام تقريرًا للمعنى، وتأكيدًا له من غيرِ تدافُع. ووجة ثانٍ أنّ الألف قد تلحق الواحدَ المنصوبَ مع الألف واللام في القوافي ورُؤُوسِ الآي، كقوله تعالى: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (¬1) {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (¬2) ونحو قول الشاعر [من الوافر]:
أقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعِتابَا (¬3)
فلو أُسقط النون مع الألف واللام في التثنية، لالتبست بالواحد فيما ذكرناه فاعرفه.
* * *
قال صاحب الكتاب: وقد أجرى المؤنث على المذكر في التسوية بين لفظي الجر والنصب، فقيل: "رأيت المسلمات", و"مررت بالمسلمات"، كما قيل: "رأيت المسلمين", و"مررت بالمسلمين".
* * *
قال الشارح: قد ذكرنا أن إعراب هذا الجمع بالحركات على القياس، وليس الأمرُ فيه كالتثنية والجمع اللذَيْن إعرابُهما بالحروف، وإذا كان إعرابُه بالحركات، فرَفْعُه بالضمّ، نحو: "هذه مسلماتٌ"، وفي الجرّ: "مررت بمسلماتٍ"، والنصبُ محمولٌ على الجرّ، فيكون في موضع النصب مكسورًا.
وإنما حُمل النصب فيه على الجرّ لوجهَيْن: أحدهما: أن جمع المؤنّث السالم فرعٌ على جمع المذكّر السالم، فكما حُمل منصوبُ جمع المذكّر على مجروره في مثل: "مررت بالزيدِينَ" و"رأيت الزيدِينَ"، كذلك حُمل منصوبُ جمع المؤنث السالم على مجروره في مثل: "مررت بالمسلماتِ"، و"رأيت المسلماتِ"، ليكون الفرعُ على منهاج الأصل، ولا يُخالِفه. والوجهُ الثاني: أن جمع المؤنّث السالم يوافق جمعَ المذكّر السالم في أشياء، ويخالفه في أشياء. فأمّا الموافقةُ، ففي سلامة الواحد، وزيادةِ الزيادتَيْن لعلامة الجمع، وكون الزائد الأوّل حرفَ مدّ.
وأمّا المخالفةُ، فمن جهةِ أنّ الزائد الثاني -وهو التاء- حرُف الإعراب يجري عليها حركاتُ الإعراب، وليس كذلك الجمعُ المذكرُ، فإن النون لا يدخلها إعرابٌ. ومنها أنّ
¬__________
(¬1) الأحزاب: 67.
(¬2) الأحزاب: 10.
(¬3) تقدم بالرقم 36.

الصفحة 221