كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

وربّما قالوا: "شتّان ما بين زيد وعمرو"، قال رَبِيعةُ الرقيُّ [من الطويل]:
536 - لَشتانَ ما بين اليَزِيدَيْن في الندَى ... يَزِيدِ سُلَيْم والأغَرِّ ابن حاتِمِ
وكان الأصمعيّ يُنْكِر هذا الوجه ويأباه، وحجّتُه أنّ "شتان" نابَ عن فعلٍ تقديرُه: "تَفرق" و"تَباعَد"، وهو من الأفعال التي تقتضي فاعلَيْن؛ لأن التفرّق لا يحصل من واحد. والقياسُ لا يأباه من جهة المعنى؛ لأنه إذا تَباعد ما بينهما، فقد تباعد كل واحد منهما من الآخَر. ولو قال: "شتان زيدٌ أو عمرو"، لم يجز؛ لأنّ "أو" لأحدِ الشيئَيْن، والافتراقُ لا يكون من واحد.
ومن ذلك "سَرْعَانَ"، والمراد: سَرُعَ، وفُعل به ما فُعل بـ "شتان" من البناء والفتح. وفي المَثل: "سَرعَانَ ذا إهالة" (¬1)، أي: ما أسرعَ هذه الإهالةَ! والإهالةُ: الشحْم المُذاب. زعموا أن بعضَ حَمْقَى العرب اشترى شاة، فسال رُعامُها، فتَوهمه شَحْمًا مُذابًا، فقال لبعضِ أهله: خُذْ من شاتنا إهالتَها، فنظر إلى مُخاطها، فقال: سرعان ذا إهالة! فـ "إهالةً" منصوبٌ على التمييز. وقيل: إنّ بعضهم استضاف بقومٍ، فعجّلوا له إهالة، فقال: سَرْعانَ ذا إهالةَ!
وقالوا: "وَشكانَ وأشْكانَ ذا خروجًا"، أي: سرُع، وقرُب، و"خروجًا" نصب على التمييز، أي: مِن خُروجٍ.
¬__________
= والشاهد فيه قوله: "شتان ما يومي ويوم حيان" فـ "شتان" اسم فعل ماضٍ بمعنى افترق، وقد رفع فاعلًا كما كان يرفعه فعل "افترق"، وزاد "ما" بين اسم الفعل وفاعله.
536 - التخريج: البيت لربيعة الرقي في ديوانه ص 124؛ وخزانة الأدب 6/ 275، 287، 292، 296، 297, 302، ولسان العرب 2/ 49 (شتت).
اللغة والمعنى: الندى: العطاء والكرم.
يقول: الفرق كبير بين اليزيدين: يزيد بن أسيد السلمي، ويزيد بن حاتم المهلبي. فهذا جواد كريم همّه فعل الخير وذاك بخيل مقتر همّه جمع المال كما يظهر في البيت التالي.
الإعراب: "لشتان": اللام للابتداء، "شتان": اسم فعل ماضٍ بمعنى "افترق". "ما": اسم موصول في محل رفع فاعل. "بين": ظرف متعلّق بمحذوف صلة "ما". وهو مضاف. "اليزيدين": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنّى. ومنهم من ذهب إلى أنّ "ما بين" زائدتان. واليزيدين: اسم مجرور لفظًا مرفوع محلًا على أنّه فاعل. "في الندى": جار ومجرور متعلقان بـ"شتان". "يزيد": بدل من "اليزيدين"، وهو مضاف. "سليم": مضاف إليه مجرور. "والأغرّ": الواو: حرف عطف، "الأغرّ": معطوف على "يزيد"، وهو مضاف. "ابن": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. "حاتم": مضاف إليه مجرور.
جملة "لشتان ... " الفعليّة: لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية.
والشاهد فيه قوله: "شتان ما بين"، فإن الأصمعي قد أنكر صحته، والعلماء قبلوا هذا التعبير وصححوهُ.
(¬1) تقدم تخريجه منذ قليل.

الصفحة 23