كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

فنصب "عليًا" بـ "رُوَيْدَ"، كأنه قال: "أرْوِدْ عليًا" أي: أمْهِلْهُم، و"عَلِيٌّ": قبيلةٌ، وجُد: قُطع نسبتهم بنا، وكَنَى بالثدي عن القَرابة, لأن الرضاع سببُ القرابة.
فأما قولهم: "واللهِ لو أردتَ الدراهم، لأعطيتُك، رُوَيْدَ ما الشعْرَ"، فالمراد: أرْوِدِ الشعرَ، و"مَا"، زائدة، كأنّه قال: "لو أردت الدراهم، لأعطيتُك، فدَع الشعرَ لا حاجةَ بك إليه".
وقد تدخله كافُ الخطاب، فيقال: "رُوَيْدَكَ زيدًا"، جاؤوا بها لتُبيِّن مَن يُعْنَى بالخطاب، لئلا يلتبِس بمن لا تعنيه، كما جاؤوا بها في "هَلُمَّ لك"، و"سَقْيًا لك"، إلَّا أن الكاف في "لَكَ" في محل خفض بما قبله من الخافض، والكافُ في "رُوَيْدَكَ" لا محلّ لها من الإعراب، وإن كان طريقُهما في البيان واحدًا. فإن كان المخاطب مذكّرًا، فتحتَها، وإن كان مؤنثًا، كسرتها. وتُثنيها وتجمعها إذا أردت تثنية أو جمعًا، فتقول: "رُوَيْدَكَ يا زيدُ"، و"رويدكِ يا هِنْدُ"، و"رويدكما يا زيدان"، و"رويدكم يا زيدون".
وقد اختلفوا في هذه الكاف، فذهب قومٌ إلى أنّها اسمٌ، موضعُه من الإعراب رفعٌ، وقال آخرون: موضعُها نصبٌ. وذهب سيبويه (¬1) إلى أنها حرفٌ مجردٌ من معنى الاسميّة للخطاب، كالكاف في "ذلِكَ"، و"أُولئِكَ"، و"النجاءَكَ". والصحيحُ مذهبُ سيبويه فيها؛ لأنها لو كانت في موضعِ رفع بأنّها فاعل، لم يجز حذفُها، وأنتَ قد تقول: "رويدَ زيدًا"، فتحذفها، وتجعل في "رويد" ضميرًا مرفوعًا في النية يجوز أن يُؤكَّد، وأن يُعطَف عليه بحسب ما يجوز في ضمائرِ الفاعلين، نحوِ قولك: "رويدكم أنتم وزيدٌ"، و"رويدكم أجمعوَن"، كما تقول: "قُمْ أنت وعبدُ الله"، و"قوموا أجمعون ". فلمّا ساغ فيها ذلك، دلّ على أن الكاف ليست فاعلةً. ولا تكون أيضًا في موضع نصب؛ لأن "رويد" اسمُ "أرْوِدْ"، و"أرْوِدْ" إنما يتعدّى إلى مفعول واحد، فلو كانت الكاف في محلِّ نصب، لَكنت إذا
¬__________
= المعنى: أمهل عليًا، إن بيننا وبينهم قرابة من ناحية الأمّ، وهم منقطعون إلينا بها، وإن كان بعضهم كاذبًا.
الإعراب: "رويد": اسم فعل أمر بمعنى: "أمهل" وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". "عليًا": مفعول به منصوب. "جدّ": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. "ما": زائدة. "ثدي": نائب فاعل. "أمّهم": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"هم": ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. "إلينا": جار ومجرور متعلقان بالفعل (جُدَّ). "ولكن": الواو: استئنافيّة، "لكن": للاستدراك. "بعضهم": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"هم" ضمير في محل جرّ بالإضافة. "متماين": خبر المبتدأ مرفوع.
جملة "رويد عليًا": ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "جُدَّ ثدي أمهم" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ولكن بعضهم متماين": استئنافيّة لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "رويد عليًا" حيث نصب اسم الفعل "رويد" مفعولًا به "عليًا".
(¬1) الكتاب 1/ 244، 245.

الصفحة 27