كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

831 - ألا يا ديار الحي بالسُّبعانِ ... [أمل عليها بالبلي الملوان]
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ حذف تاء التأنيث قد كثُر عنهم واطّرد، حتى صار قياسًا، يُسمَع ما قالوه، ويُحمَل عليه نظائرُه، فإذا نسبت إلى اسم في آخره تاء التأنيث، حذفتَها, لا يجوز غيرُ ذلك، فتقول في النسب إلى "البَصْرَة": "بَصْرِيٌّ"، وإلى "مَكَّةَ": "مَكيٌّ"، وإلى "الكُوفَة": "كُوفِيٌّ" وإلى "فاطِمَةَ" "فاطِمِيٌّ". وإنّما أُسقطت التاء من النسب؛ لأنّا لو بقّيناها في الاسم على ما كانت عليه قبل النسب، لوجب أنّ نقول: "بَصْرَتِيٌّ"، و"كُوفَتِيٌّ"، و"مَكَّتِيٌّ" في الرجل يُنسَب إلى البصرة والكوفة ومكّةَ، ولَزِمَنا أنّ نقول إذا نسبنا امرأةً إلى ما فيه تاء التأنيث: "بصرتِيَّةٌ"، و"كوفتيةٌ"، و"مكتيةٌ"، و"فاطمتيةٌ"، فكان يُجمَع في الاسم الواحد تاءان للتأنيث، وذلك لا يجوز. وأيضًا فإنّ ياءي النسب، لمّا كانت مُشابِهة لتاء التأنيث من الجهات المتقدّمة، لم يُجمع بينهما، كما لم يُجمَع بين علامتَيْ نسبةٍ.
وأمّا نونا التثنية والجمع، فلا تثبتان أيضًا مع ياءي النسبة، وذلك إذا سمّينا رجلًا بمثنًّى، أو مجموع جمعَ السلامة، قلنا فيه مذهبان:
¬__________
= التخريج: البيت لابن أحمر في ديوانه ص 188؛ وشرح الأشموني 3/ 849؛ ولابن مقبل في ديوانه ص 335؛ وإصلاح المنطق ص 394؛ وخزانة الأدب 7/ 302، 303، 304؛ وسمط اللآلي ص 533؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 422؛ وشرح التصريح 2/ 329، 384؛ والكتاب 4/ 259؛ ولسان العرب 8/ 150 (سبع)، 11/ 631 (ملل)، 15/ 291 (ملا)؛ ومعجم ما استعجم ص 719؛ ولأحدهما في معجم البلدان 3/ 185 (السبعان)؛ والمقاصد النحوية 4/ 542؛ وبلا نسبة في الخصائص 3/ 202؛ ولسان العرب 4/ 591 (عفزر). ويروى:
ألا يا ديار الحَيّ بالسَّبُعانِ ... عَفَتْ حِججًا بعدِي وهُنَّ ثماني
وهو بهذه الرواية لشاعر جاهليّ من بني عقيل في خزانة الأدب 7/ 306؛ ومعجم البلدان 3/ 185.
اللغة: السبعان: اسم وادٍ. أمل: طال. الملوان: الليل والنهار.
المعنى: يخاطب الشاعر الديار الكائنة بالسبعان، والتي تعاقبت عليها الأيّام والليالي بالبلى.
الإعراب: "ألا" حرف استفتاح. "يا": حرف نداء. "ديار": منادى منصوب، وهو مضاف. "الحيّ": مضاف إليه مجرور. "بالسبعان": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من "ديار". "أملّ": فعل ماضٍ. "عليها": جار ومجرور متعلّقان بـ "أملّ". "بالبلى": جار ومجرور متعلّقان بـ"أملّ". "الملوان": فاعل مرفوع بالألف.
وجملة "ألا يا ديار .. ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أملّ الملوان": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "بالسبعان" فإنّه في الأصل، مثنّى "سبع"، ثم سمّي به، فصار علمًا على مكان بعينه، وقد استعمله الشاعر هنا بالألف، وهو مجرور، فدلّ على أنّه عامله كما يعامل المفردات، نظرًا إلى معناه العارض بعد صيرورته علمًا, ولو نظر إلى معناه الأصلي، وعامله معاملة المثنّى، لقال: "بالسبعين".

الصفحة 442