كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

تارسٌ، وتَرّاسٌ"، أي: معه تُرْسٌ. وقالوا: هو ملازمٌ، فأجروه مجرى الصنعة والعِلاج.
وقالوا: "هَمُّ ناصبٌ"، أي: ذو نَصَب، وليس على الفعل، فهو كالدارع، والناشب، وقالوا: "رجل كاسٍ"؛ أي: ذو كُسْوة، و"طاعمٌ"، أي: ذو طَعْم، أي: آكلٌ، وهو ممّا يُذَمّ به، أي ليس له فضلٌ، غيرَ أنَّه يأكل ويشرب. قال الحُطَيئة [من البسيط]:
847 - دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغيَتِها ... واقْعُدْ فإنّك أنْتَ الطاعِمُ الكَاسِي
ومن ذلك قولهم: "حائضٌ"، و"طالق"، و"طامثٌ"، أي: ذات حَيْضٍ وطَلاقٍ وطَمْث في أصح الأقوال.
فأمّا قوله تعالى: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (¬1) فقد قال الخليل: إنّه من قبيل النسب، إلَّا أنّه يُشْكِل عليه دخولُ التاء، لأنّهم قالوا: إنما سقطت التاء من "حائضٍ"، و"طالقٍ"؛ لأنه ليس بجارٍ على الفعل، وقد ذكروا أن "عيشةً راضية" لم تجر على الفعل لأن العيشة مَرْضِية، وفعلُها "رَضِيتُ"، فحملوها على أنّها ذات رِضّى من أهلها بها، ثمّ أُثبتت الهاء فيها، فيجوز أن تكون الهاء للمبالغة على حدّها في "عَلامةٍ"، و"نَسَّابةٍ".
وهذا القبيل، وإن كان كثيرًا واسعًا، فليس بقياسٍ، بل يُتْبَع فيه ما قالوه، ولا يتجاوز، فلا يُقال لبائع البُرّ: "بَرّارٌ"، ولا لصاحب الفاكِهة: "فَكّاهٌ"، ولا لصاحب الشعِير: "شَعّار"، ولا لبائع الدَّقِيق: "دَقّاقٌ"، وإنّما يُقال: "دَقِيقيّ"، وقد قيل: "دَقّاقٌ". ومثل ذلك "الكِسائيُّ" نسبٌ على قياس النسب، والفَرّاء على قياس "البَزّاز" و"العَطّار".
¬__________
847 - التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص 108؛ والأزهيّة ص 175؛ والأغاني 2/ 155؛ وخزانة الأدب 6/ 299؛ وشرح شواهد الشافية ص 120؛ وشرح شواهد المغني 2/ 916؛ والشعر والشعراء ص 334؛ ولسان العرب 10/ 108 (ذرق)، 12/ 364 (طعم)، 15/ 224 (كسا)؛ وبلا نسبة في تخلمص الشواهد ص 418؛ وخزانة الأدب 5/ 115؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 88.
اللغة: البغية: الطلب. الطاعم والكاسي: أي صاحب طعام وكسوة.
المعنى: اترك مكارم الأخلاق فلست أهلًا لها، واجلس في دارك كالعاجز يأتيك الطعام والكساء.
الإعراب: "دع": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت": "المكارمَ": مفعول به منصوب بالفتحة، "لا": ناهية جازمة، "ترحًا": فعل مضارع مجزوم بـ"لا"، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "أنت": "لبغيتها": جار ومجرور متعلقان بـ"ترحل"، وهو مضاف، و"ها": ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. "واقعد": الواو: حرف عطف، "اقعد": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". "فإنك": الفاء: استئنافية، "إنّك": حرف مشبّه بالفعل، والكاف: ضمير في محلّ نصب اسم "إنّ". "أنت": حرف فصل. "الطاعم": خبر "إنّ" مرفوع. "الكاسي": خبر "إنّ" مرفوع.
وجملة "دع المكارم": ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "لا ترحل": تفسيرية لا محلّ لها من
الإعراب. وجملة "اقعد": معطوفة على "دع". وجملة "إنّك الطاعم الكاسي": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "الطاعم الكاسي" حيث استغنى عن ياء النسب بصوغ الفاعل بمعنى "صاحب طعام" و"صاحب كساء".
(¬1) الحاقة: 21، والقارعة: 7.

الصفحة 482