كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

أي: قالت: "قَرْقِرْ بالرَّعْد"، كأنّها أمرتِ السحابَ بذلك، أي: ألقحتْه، وهيّجتْ رَعْدَه. وهو مأخوذ من "قَرْقَرَ البعيرُ"، إذا صفا صوتُه، ورجع. وبعيرٌ قَرْقارُ الهَدِير إذا كان صافي الصوتِ في هديره، وقالوا: "عَرْعَارِ" من "العَرْعَرَة"، وهي لعبة للصبيان. قال النابغة [من الكامل]:
مُتَكَنِّفِي جَنْبَيْ عُكاظَ كِلَيْهِما ... يَدْعُو وَلِيدُهُمُ بها عَرْعارِ (¬1)
وذلك أنّ الصبي كان إذا لم يجد من يُلاعِبه، رفع صوتَه فقال: "عَرْعارِ"، أي: هَلُمُّوا إلى العَرْعرة، فإذا سمعوا، خرجوا إليه، ولعبوا معه تلك اللعبةَ.
هذا مذهب سيبويه في ذلك كله، وقد خولِف في حَمْلِ "قرقارِ"، و"عرعارِ" على العدل لخروجهما عن الثُّلاثيّ الذي هو البابُ، وجُعلا حكاية للصوت المُردَّد دون أن يكونا معدولَيْن، وهو القياس؛ لأنّ بناء "فَعالِ" إنّما يجيء من الثلاثيّ، وهذا العدلُ إنّما جاء فيه. فأمّا الرباعيُّ نحو"قرقارِ" و"عرعارِ"، فهو"فَعْلالِ" وليس بـ "فَعالِ".
واعلم أنّ هذه الأسماء كلَّها أسماءٌ لِما تقدّم من الدلالة, لأنّ هذا البناء ليس من أَمْثِلَةِ الأفعال، وهو في الأسماء كثيرٌ، وهي مؤنّثةٌ بدليل قوله [من الكامل]:
إذا دُعِيَتْ نَزالِ ولُجَّ في الذُّعْرِ (¬2)
فتأنيثُ الفعل حين أُسند إليه دليلٌ على أنّه مؤنّثٌ. وهي معرفةٌ؛ لأنّ قولك: "نَزالِ" معناه: "انْزِلْ". وهذا لفظٌ معروف غيرُ منكور.
واعلم أنّ للنحويّين خلافًا في هذا القِسم المعدول عن لفظِ فعل الأمر المأخوذِ من لفظه، فمنهم من طرده في كلّ فعل ثلاثيّ لكثرةِ ما ورد منه عنهم واستمرّ، وهو رأيُ سيبويه، ومنهم من يَقِف عندما جاء عن العرب منه، فلا يقول: "قَوامِ" في معنى "قُمْ"، ولا "قَعادِ" في معنى "اُقْعُدْ". وهو القياس؛ لأنّ "فَعالِ" اسمٌ وضعتْه العربُ موضعَ "افْعَلْ"، وليس لأحدٍ أن يبتدِع اسمًا لم يتكلّم به العربُ. وأمّا الرباعيُّ فلا كلامَ أنّه لا يقاس عليه. والفصل بين الثلاثيّ والرباعيّ عند سيبويه أنّ الثلاثيّ قد كثُر في كلامهم جدًّا , ولا يُسمَع من الرباعيّ إلا في الحرفَيْن اللذَيْن ذكرناهما، فلمّا كثر ذلك في كلامهم، جعله أصلًا، وقاس عليه، ولمّا قلّ في الرباعيّ، وقف عند المسموع منه، ولم يتجاوزه.
* * *

[" فعال" التي بمعني المصدر]
قال صاحب الكتاب: والتي في معنى المصدر والمعرفة كفجار للفجرة، ويسار للميسرة، وجماد للجمود، وحماد للمحمدة. ويقولون للظباء إذا ورت الماء: فلا
¬__________
(¬1) تقدم بالرقم 558.
(¬2) تقدم بالرقم 514.

الصفحة 50