كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

عباب، وإذا لم ترد فلا أباب، وركب فلان هجاج أي الباطل. ويقال دعني كفاف أي تكف عني وأكف عنك، ونزلت بوار على الكفار ونزلت بلاء على أهل الكتاب.
* * *
قال الشارح: الضرب الثاني من ضروب "فَعالِ" أن تكون اسمًا لمصدر، عَلَمًا عليه كـ"فَجارِ" و"بَدادِ"، ولا تُبنَى إلا أن يجتمع فيها ما اجتمع في "نَزالِ" وبابه من التعريف والتأنيث والعدلِ. فهي محمولةٌ عليه في البناء؛ لأنّها على لفظه ومُشابِهةٌ له من الجهات المذكورة، وهذا مذهب سيبويه.
وزعم أبو العبّاس المبرّد أنّ الذي أوجب بناء هذه الأسماء أنّها لو كانت مؤنّثة معرفة غيرَ معدولة، لكان حكمُها مَنْعَ الصرف، فلمّا عُدلت، زادها العدلُ ثقلًا، فلم يبق بعد منع الصرف إلا البناء، وهو رأيُ ابن كَيْسان.
وكان أبو إسحاق يُنْكِر هذا القول، ويستضعفه ويقول: الاسمُ إذا اجتمع فيه عِلّتان امتنع من الصرف، ولا يزيده اجتماعُ العِلَل على منعِ الصرف، فيكون اجتماعُ العلل المانعَ من الصرف، وأدنى ذلك علّتان. والذي يدلّ على ذلك أنّ "صَحْراء" لا ينصرف، وإذا سُمّي به، زاد علّة، ولم يُخْرِجه ذلك إلى البناء. وكذلك "حَمْراءُ" غير مصروف، وفيه الوصفُ مع التأنيث المستقلُّ بمنع الصرف. ومن ذلك "فِرْعَوْنُ"، لو سمّيت به امرأة، لم يَزِدْه ذلك على منع الصرف. وقالوا: "أَذْرَبِيجَانُ" اسمُ هذا المكان، فإنّه قد اجتمع فيه التعريف، وزيادةُ الألف والنون، والعُجْمَةُ، والتأنيث، والتركيبُ، ولم يزده على منع صرفه. فمن ذلك "فجارِ". قال النابغة [من الكامل]:
إنَّا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَيْنَا بَيْنَنَا ... فحَمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجارِ (¬1)
قالوا: يريد الفَجْرَةَ، جعلوه عَلَما عليه، فإذا قيل: "فَجارِ"، دلّ على لفظ الفجرة، والحَدَثُ الذي هو الفُسوقُ مستفاد من المسمّى، لا من الاسم.
وقد ذهب من ينتمي إلى التحقيق من النحويّين إلى أنّ الأمثلَ أن تكون "فجارِ" معدولة عن "فَجْرَةَ" عَلَمًا؛ لأنّه قَرَنَها بِعِدْلها "بَرَّة"، فكما أنّ "برّة" عَلَمٌ لا محالة، فكذلك ما عُدل عنه "فَجارِ"، فهو في التقدير "فَجْرَةُ". فلو عُدل عن "برّة" هذا، لكان قياسُه "برارِ". ومن ذلك "بَدادِ"، يقال: "جاء القوم بَدادِ"، قال عَوْفُ بن الخرع [من الكامل]:
564 - وذكرتَ من لَبَنِ المُحلَّق شُرْبَةً ... والخَيْلُ تَعْدُو في الصَّعِيد بَدادِ
¬__________
(¬1) تقدم بالرقم 70.
564 - التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص 241؛ والكتاب 3/ 275؛ ولسان العرب 10/ 64 (حلق)؛ ولعوف بن الخرع في جمهرة اللغة ص 999؛ وخزانة الأدب 6/ 363، 368، 370؛ والدرر 1/ 98؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 299؛ ولسان العرب 3/ 78 (بدد)؛ والمعاني الكبير=

الصفحة 51