كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

الأحمر عن العرب، وهو اسم للمصدر، والمرادُ البَلِيّة. والبَلاء: الاختبارُ بالخير والشرّ، يقال: "أبْلاه الله بلاءً حسنًا". قال زُهَيْر [من الطويل]:
569 - جَزَى اللهُ بالإحسانِ ما فَعَلا بِكُمْ ... وأبْلاهما خَيْرَ البَلاءِ الذي يَبْلُو
أي: خيرَ الصَّنِيع الذي يختبِر به عِبادَه، فاعرفه.
* * *

[" فعال" المعدولة عن الصفة]
قال صاحب الكتاب: والمعدولة عن الصفة كقولهم في النداء يا فساق ويا خباث ويا لكاع ويا رطاب ويا دفار ويا خضاف ويا خزاق ويا حباق.
* * *
قال الشارح: هذا الضرب هو الثالث من ضروب "فَعالِ"، وهو أن تكون صفةً غالبة، نحو قولك: "يا فَساقِ"، و"يا غَدارِ"، و"يا خَباثِ"، ونحو ذلك ممّا ذكره. وأصلُها "فاعلةٌ"، نحو: "فاسِقة" و"غادِرة" و"خَبِيثة". وإنّما عُدل إلى "فَعالِ" لضرب من المبالغة في الفسق، والغَدْر، والخُبْث، كما عدلوا عن "راحِم" إلى "رَحْمان" للمبالغة، وكما عدلوا عن "لَئِيم" إلى "مَلأَمانَ"، وعن "لاكعٍ" إلى "مَلْكَعانَ" (¬1) حيث أرادوا المبالغة في الصفة، ولا يُستعمل في غير النداء غالبًا.
وإنما اختص به النداء؛ لأنّه يصير معرفةً بالقصد، كتعريفِ "رجل" في قولك: "يا رجلُ"، فاجتمع فيه التعريفُ الحاصل بالنداء، والتأنيثُ إذ كان معدولًا عن مؤنّث،
¬__________
569 - التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 109؛ ولسان العرب 14/ 84 (بلا)؛ وتهذيب اللغة 15/ 390؛ ومقاييس اللغة 1/ 294؛ ديوان الأدب 4/ 106؛ وتاج العروس (بلى).
الإعراب: "جزى": فعل ماض مبنى على الفتح المقدر على الألف للتعذر. "الله": لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة. "بالإحسان": جار ومجرور متعلقان بـ "جزى". "ما": اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به. "فعلا": فعل ماض مبني على الفتح، والألف: ضمير متصل مبنى في محل رفع فاعل. "بكم": جار ومجرور متعلقان بـ "فعلا". "وأبلاهما": الواو: حرف عطف، "أبلى": فعل ماض مبنى على الفتح المقدر على الألف للتعذر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: هو، و"هما" ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به أول. "خير": مفعول به ثان منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "البلاء": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "الذي": اسم موصول مبنى في محل جرّ صفة للبلاء. "يبلو": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدرة على الواو للثقل، وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره: هو.
جملة "جزى الله": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "فعلا": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "وأبلاهما": معطوفة على جملة "جزى" لا محل لها من الإعراب. وجملة "يبلو": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "خير البلاء" حيث دلت البلاء على الاختبار بالخير، أو الصنيع الذي يختبر به عباده.
(¬1) الملكعان: اللئيم الدنيء.

الصفحة 55