كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 3)

والعدلُ مع لفظِ "فَعالِ"، فناسَبَ لفظَ "نَزالِ" ومعناه، فبُني كبنائه. والدليلُ على تعريفه قولهم: "يا فُسَقُ الخَبِيثُ"، و"يا فَساقِ الخبيثةُ"، فوصفُهم إيّاه بالمعرفة دليلٌ على تعريفه. وربّما جاء في غير النداء ضرورةً في الشعر، ولذلك قلنا: "غالِبًا". قال الحُطَيْئة [من الوافر]:
570 - أُطَوفُ ما أُطَوفُ ثُمّ آوِي ... إلى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكاعِ
فـ "فَساق" معدول عن "فاسقَة"، والفاسقُ: الفاجر، وأصله الخروجُ عن الأمر. يقال: "فسقتِ الرُّطَبَةُ"، إذا خرجتْ عن قِشْرتها، ومنه قوله تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (¬1)، أي: خرج عن ذلك. قال ابن الأعرابيّ: لم يُسمَع في شيء من كلام الجاهليّة، ولا شعرِهم "فاسِقٌ".
وأمّا "خَباثِ"، فمعدول عن "خَبِيثةٍ"، والخبيثُ ضدّ الطيّب، يقال: "خَبُثَ، فهو خبيثٌ"، أي: خَبٌّ رَدِيءٌ، وأخبثَه غيرُه: علّمه الخُبْثَ.
و"لَكاع" معدول عن "لَكْعاءَ"، يقال: "رجلٌ لُكَعُ"، أي: لئيمٌ، و"امرأةٌ لكعاء"، وقد لَكِعَ لَكَاَعَة، فهو أَلْكَعُ، ولُكَعُ معدول عنه، ولذلك لا ينصرف. و"لَكاعِ" معدول عن "لَكْعاءَ".
¬__________
570 - التخريج: البيت للحطيئة في ملحق ديوانه ص 156؛ وجمهرة اللغة ص 662؛ وخزانة الأدب 2/ 404، 405؛ والدرر 1/ 254؛ وشرح التصريح 2/ 180؛ والمقاصد النحوية 1/ 473، 4/ 229؛ ولأبي الغريب النصري في لسان العرب 8/ 323 (لكع)؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 45؛ والدرر 3/ 39؛ وشرح ابن عقيل ص 76؛ والمقتضب 4/ 238؛ وهمع الهوامع 1/ 82. 178.
اللغة: أطوف: أتجوّل، أتنقل من مكان إلى آخر. آوي: ألجأ. القعيدة: التي تقعد فيه، أي امرأته. لكاع: لئيمة أو حمقاء.
المعنى: يتنقل كثيرا من أجل اكتساب الرزق، ثم يعود إلى بيته حيث يجد امرأته اللئيمة الحمقاء.
الإعراب: "أطوف": فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "ما": مصدرية زمانية. "أطوف": فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "ثم": حرف عطف. "آوي": فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "إلى بيت": جار ومجرور متعلّقان بـ "آوي". "قعيدته": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. "لكاع": خبر المبتدأ مبني على الكسر في محل رفع.
جملة "أطوف ما أطوّف" الفعلية: لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "أطوّف" الفعليّة: لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول. والمصدر المؤوّل من "ما وما بعدها" في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بالفعل "أطوف"، والتقدير: أطوف زمانَ تطويفي. وجملة "آوي" الفعلية: معطوفة على جملة "أطوف" الأولى. وجملة "قعيدته لكاع" الاسمية: في محل نعت لـ "بيت".
والشاهد فيه قوله: "لكاع" حيث جاءت "لكاع" خبرا، على الشذوذ, لأن الاستعمال الشائع بين
العرب أن السب للأنثى بوزن "فعال" لا يكون إلا منادى. وقيل: التقدير: قعيدته يقال لها: لكاع.
(¬1) الكهف:50.

الصفحة 56