كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 3)
ثالث ذي القعدة، وخيم بمنزلة الصالحية وترك الأشرف بقلعة الجبل، واقتتل مع الناصر في عاشره، فكانت النصرة له على الناصر، وعاد في ثاني عشره، فنزل بالناس من البحرية بلاء لا يوصف ما بين قتل ونهب وسبي، بحيث لو ملك الفرنج بلاد مصر ما زادوا في الفساد على ما فعله البحرية، وكان كبراؤهم ثلاثة، الأمير فارس الدين أقطاي، وركن الدين بيبرس البند قداريّ، وبليان الرشيديّ، ثم في محرّم سنة تسع وأربعين خرج المعز بالأشرف والعساكر فنزل بالصالحية وأقام بها نحو سنتين، والرسل تتردّد بينه وبين الناصر، وأحدث الوزير الأسعد هبة الله الفائزيّ مظالم لم تعهد بمصر قبله، فورد الخبر في سنة خمسين بحركة التتر على بغداد، فقطع المعز من الخطبة اسم الأشرف وانفرد بالسلطنة وقبض على الأشرف وسجنه، وكان الأشرف موسى آخر ملوك بني أيوب بمصر، ثم إن المعز جمع الأموال فأحدث الوزير مكوسا كثيرة سماها الحقوق السلطانية، وعاد المعز إلى قلعة الجبل في سنة إحدى وخمسين وأوقع بعرب الصعيد وقبض على الشريف حصن الدين ثعلب بن ثعلب، وأذلّ سائر عرب الوجهين القبليّ والبحريّ وأفناهم قتلا وأسرا وسبيا، وزاد في القطيعة على من بقي منهم حتى ذلوا وقلوا، ثم قتل الفارس أقطاي، ففرّ منه معظم البحرية، بيبرس وقلاون في عدد كثير منهم إلى الشام وغيرها، ولم يزل إلى أن قتلته شجرة الدرّ في الحمام ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين وستمائة، فكانت مدّته سبع سنين تنقص ثلاثة وثلاثين يوما، وكان ظلوما غشوما سفاكا للدماء، أفنى عوالم كثيرة بغير ذنب وقام من بعده ابنه.
السلطان الملك المنصور نور الدين عليّ بن المعز أيبك «1» : في يوم الخميس خامس عشري ربيع الأوّل وعمره خمس عشرة سنة، فدبر أمره نائب أبيه الأمير سيف الدين قطز، ثم خلعه في يوم السبت رابع عشري ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة، فكانت مدّته سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام، وقام من بعده.
السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز «2» : في يوم السبت، وأخرج المنصور بن المعز منفيا هو وأمّه إلى بلاد الأشكريّ، وقبض على عدّة من الأمراء، وسار فأوقع بجمع هولاكو على عين جالوت وهزمهم في يوم الجمعة خامس عشري رمضان، سنة ثمان وخمسين، وقتل منهم وأسر كثيرا بعد ما ملكوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله عبد الله، وأزالوا دولة بني العباس وخرّبوا بغداد وديار بكر وحلب ونازلوا دمشق فملكوها، فكانت هذه الوقعة أوّل هزيمة عرفت للتتر منذ قاموا، ودخل المظفر قطز إلى دمشق وعاد منها يريد مصر، فقتله الأمير ركن الدين بيبرس البندقداريّ قريبا من المنزلة الصالحية في يوم السبت
الصفحة 414
439