كتاب تنقيح التحقيق - العلمية (اسم الجزء: 3)

التصرف تابعاً للضمان فقد غلط ، فإنهم متفقون على أن منافع الإجارة إذا تلفت قبل تمكن المستأجر من استيفائها كانت من ضمان المؤجر ، مع هذا فللمستأجر أن يؤجرها بمثل الأجرة ,
وإنما تنازعوا في إيجارها بأكثر من الأجرة ، لئلا يكون ذلك ربحاً فيما لا يضمن .
والصحيح جواز ذلك ، لأنها مضمونة على المستأجر فإنها إذا تلفت مع تمكنه من الاستيفاء كانت من ضمانه ، وهذا هو الأصل .
وأيضاً فقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال : كنا نبتاع الطعام جزافاً على عهد رسول الله فنهى أن نبيعه في مكانه حتى ننقله إلى رحالنا .
وابن عمر رضي الله عنهما هو القائل : مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من ضمان المشتري فبين أن مثل هذا الطعام مضمون على المشترى ولا يبيعه حتى ينقله ، وغلة الثمار ، والمنافع له أن يتصرف فيها ولو تلفت قبل التمكن من قبضها كانت من ضمان المؤجر ، والبائع . والمنافع لا يمكن التصرف فيها بعد استيفائها .
وكذلك الثمار لا تباع على الأشجار بعد الجذاذ بخلاف الطعام المنقول .
والسنة في هذا الباب فرقت بين القادر على القبض وغير القادر في الضمان ، والتصرف ، ونظائر هذا كثيرة ، مثل بيع الأعيان الغائبة . من الفقهاء من جوز بيعها مطلقاً ، وإن لم توصف ، ومنهم من منع بيعها مع الوصف .
ومالك جوز بيعها مع الصفة دون غيرها ، وهو أعدل الأقوال .
والعقود من الناس من أوجب فيها الألفاظ وتعاقب القبول ، والإيجاب ، ونحو ذلك .
وأهل المدينة جعلوا المرجع في العقود إلى عرف الناس ، وعاداتهم فيما عده الناس بيعاً فهو بيع ومنها ما له حد في الشرع كالصلاة ، والحج ، ومنها ما ليس له حد لا في اللغة ، ولا في الشرع ، بل يرجع إلى العرف .
ومعلوم أن اسم البيع ، والإجارة ، والهبة في هذا الباب لم يحدها الشارع ، ولا لها حد في اللغة ، بل يتنوع ذلك بحسب عادات الناس وعرفهم .
____________________

الصفحة 80