كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 3)
مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ.
وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ) جَزْمًا إذْ الظَّاهِرُ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا تُتْرَكُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ فِي قَبُولِهِ مَصْلَحَةً لِلصَّبِيِّ وَثُبُوتَ حَقٍّ لَهُ، (وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَسْنَدَهُ إلَى الِالْتِقَاطِ لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا تُزَالُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. وَالثَّانِي يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ كَمَا فِي يَدِ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ وَسَيَأْتِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى اللَّقِيطِ الرِّقُّ، فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ قُبِلَ، فَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ كَانَ أَنْكَرَ أَصْلَ الرِّقِّ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَمْ يُحَلَّفْ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِطَلَبِ الْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَلَوْ قَذَفَ شَخْصٌ لَقِيطًا كَبِيرًا أَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَوْ صَغِيرًا جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا وَادَّعَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي الْأُولَى وَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَمَتَى كَانَ اللَّقِيطُ قَاذِفًا وَادَّعَى الرِّقَّ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاضِي.
(وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ) بِادِّعَائِهِ رِقَّهُ (وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ) وَلَا غَيْرِهِ (حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ) بِدَعْوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ عَمَلًا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَيَحْلِفُ وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ نَدْبًا، وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِالرِّقِّ كَاللَّقِيطِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُؤَثِّرُ تَكْذِيبُ الْمُمَيِّزِ.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ إلَخْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، ثُمَّ قَالَا لَكِنْ رَوَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُرَقُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ اهـ.
وَهَذَا أَظْهَرُ (فَإِنْ بَلَغَ) اللَّقِيطُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِرِقِّهِ (وَقَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِرِقِّهِ فِي صِغَرِهِ فَلَا نُزِيلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَهُ تَحْلِيفُ السَّيِّدِ، كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِرِقِّهِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ فِي الصِّغَرِ مِلْكَهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ ثُمَّ يَبْلُغَ وَيُنْكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَجَرَّدَ الِاسْتِخْدَامُ إلَى الْبُلُوغِ ثُمَّ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ وَيُنْكِرَ الْمُسْتَخْدَمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدَّعَاوَى، وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِفَاقَتُهُ كَبُلُوغِهِ.
الصفحة 612
631