كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 3)
(بَابُ الصُّلْحِ)
وَالتَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَصُلْحٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَصُلْحٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالدَّيْنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الصُّلْحِ]
ِ) لَوْ عَبَّرَ بِكِتَابِ لَكَانَ أَوْضَحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ كِتَابُ التَّفْلِيسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفْلِيسَ لَمَّا كَانَ قَدْ يَجُرُّ إلَى الصُّلْحِ جُعِلَ مُنْدَرِجًا تَحْتَهُ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ الصُّلْحُ جَائِزٌ وَجَائِزَةٌ كَالسَّلْمِ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، وَهُوَ الصُّلْحُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّزَاحُمُ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا ع ش (قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ) جَرَوْا هُنَا عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ أَيْ فَيَكُونُ الشَّرْعِيُّ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ اللُّغَوِيِّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ قَطْعُ النِّزَاعِ لَيْسَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ قَطْعِ النِّزَاعِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَإِنْ اتَّحِدَا بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ وَالْوُجُودِ أَيْ فَالْمَكَانُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَقْدُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَلَا عَكْسَ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ وَتَبَايُنٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَطْعَ النِّزَاعِ يَكُونُ بِعَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَا مُبَايِنُ لَهُ فَيَكُونُ عَلَى الْقَاعِدَةِ. (قَوْلُهُ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ) وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْهُدْنَةِ وَقَوْلُهُ: وَصُلْحٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْبُغَاةِ وَانْظُرْ لِمَ خَصَّ الْإِمَامُ وَهَلَّا عَمَّمَ كَالْأَوَّلِ فَقَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقَائِمَ فِي الصُّلْحِ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ نَائِبُ الْإِمَامِ فَكَأَنَّ الصُّلْحَ وَاقِعٌ مِنْهُ فَالْمُرَادُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ع ش عَلَى م ر وَإِنَّمَا أُضِيفَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْبُغَاةَ يُخَالِفُونَهُ.
(قَوْلُهُ: وَصُلْحٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ) وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ. (قَوْلُهُ: وَالدَّيْنِ) بِفَتْحِ الدَّالِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ مُعَامَلَةٍ أَوْ لَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] . وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أُعِيدَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنًا فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَالصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ح ل؛ وَلِأَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ فَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ الدَّلِيلُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي شَرْحِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ عَلَى عُقُودِ الْجُمَانِ فِي عِلْمَيْ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ:
ثُمَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهِرَة ... إذَا أَتَتْ نَكِرَةٌ مُكَرَّرَهْ
تَغَايَرَا وَإِنْ يُعَرَّفَ ثَانِي ... تَوَافَقَا كَذَا الْمُعَرَّفَانِ
وَذِكْرُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا نَصُّهُ جَوَابًا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَكَذَا آيَةُ الصُّلْحِ لَا مَانِعَ مِنْ
الصفحة 2
463