كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 3)
إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ، وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ (شَرْطُهُ) أَيْ الصُّلْحِ (بِلَفْظِهِ سَبْقُ خُصُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِيهِ فَلَوْ قَالَ: مِنْ غَيْرِ سَبْقِهَا صَالِحْنِي عَنْ دَارِكَ بِكَذَا لَمْ يَصِحَّ نَعَمْ هُوَ كِنَايَةٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهَا الَشَيْخَانِ
(وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا (يَجْرِي بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقْرَارٍ) وَفِي مَعْنَاهُ الْحُجَّةُ (وَجَرَى مِنْ عَيْنٍ مُدَّعَاةٍ عَلَى غَيْرِهَا) عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ انْتِفَاعًا أَوْ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَوْ حِصَّةً مِنْهَا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ نَحْوِ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ، وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَاسْتِحْبَابُ الصُّلْحِ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ يَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ الْآيَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ بَلْ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِنَّ كُلَّ صُلْحٍ خَيْرٌ؛ لِأَنَّ مَا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا مَمْنُوعٌ اهـ بِحُرُوفِهِ أَوْ يُقَالُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَغْلَبِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ كَمَا قَالَهُ ع ش.
قَوْلُهُ: «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» كَالصُّلْحِ عَلَى نَحْوِ الْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا كَأَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ ح ل وم ر فَإِنْ قِيلَ الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ، بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لَنَا الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ ع ن أَيْ فَلَوْ صَحَّحْنَاهُ لَكَانَ هُوَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَرِّمُ فِي الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ إلَخْ) أَيْ غَالِبًا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يُعْكَسُ كَمَا فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
بِبَاءٍ أَوْ عَلَى يُعَدَّى الصُّلْحُ ... لِمَا أَخَذْتَهُ فَهَذَا نُصْحٌ
وَمِنْ وَعَنْ أَيْضًا لِمَا قَدْ تُرِكَا ... فِي أَغْلِبْ الْأَحْوَالِ ذَا قَدْ سُلِكَا
(قَوْلُهُ: بِلَفْظِهِ) إنَّ الظَّاهِر أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ فَيَكُونُ لَفْظُهُ شَرْطًا أَيْضًا لِتَسْمِيَتِهِ صُلْحًا وَالتَّقْدِيرُ شَرْطُهُ سَبْقُ خُصُومَةٍ مَعَ لَفْظِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شَرْطُهُ إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ بِأَنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ صُلْحٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ح ل.
وَعِبَارَةُ سُلْطَانٍ قَوْلُهُ: بِلَفْظِهِ بِخِلَافِهِ بِلَفْظِ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ خُصُومَةٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَهُ قَيْدٌ فِي اشْتِرَاطِ سَبْقِ الْخُصُومَةِ وَالتَّقْدِيرُ شَرْطُهُ حَالَ كَوْنِهِ جَارِيًا بِلَفْظِهِ إلَخْ فَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ لَا يُسَمَّى صُلْحًا حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ صُلْحٌ فِي الْمَعْنَى اهـ.
(قَوْلُهُ: سَبْقُ خُصُومَةٍ) أَيْ دَعْوَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ شَوْبَرِيٌّ وم ر وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْمُصَالِحِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَيْ فِي قَوْلِهِ يَجْرِي بَيْنَ مُدَّعٍ وَأَجْنَبِيٍّ قَالَ ع ش يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ مِنْ سَبْقِ وُقُوعِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فَلَا تَكْفِي الْمُنَاكَرَةُ بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَمَتَى جَرَى بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ ثُمَّ جَرَى الصُّلْحُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْدَ خُصُومَةٍ وَيُمْكِنُ شُمُولُ قَوْلِهِ أَوَّلًا لِذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ
. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَجْرِي بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ) وَالثَّانِي بَيْنَ مُدَّعٍ وَأَجْنَبِيٍّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ أَوْ حَطِيطَةٍ أَوْ لَا وَلَا كَالْإِعَارَةِ ز ي. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ بَحْثٌ أَوَّلٌ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عَلَى إقْرَارٍ بَحْثٌ ثَانٍ
وَقَوْلُهُ: وَجَرَى مِنْ عَيْنٍ بَحْثٌ ثَالِثٌ
وَقَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِهَا بَحْثٌ رَابِعٌ ثُمَّ رَجَعَ لِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوِّشِ فَقَابَلَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا وَقَابَلَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ أَوْ مِنْ دَيْنٍ عَلَى غَيْرِهِ إلَخْ وَقَابَلَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ لَغَا وَقَابَلَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ وَيَجْرِي بَيْنَ مُدَّعٍ وَأَجْنَبِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ الْحُجَّةُ) عَبَّرَ بِهَا دُونَ الْبَيِّنَةِ لِيَشْمَلَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ لَا بَيِّنَةٌ وَمِنْ الْحُجَّةِ عِلْمُ الْقَاضِي وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ فَلَا حَاجَةَ لِإِيرَادِهِمَا.
(قَوْلُهُ: مِنْ عَيْنٍ مُدَّعَاةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مُقَابِلُ الدَّيْنِ فَيَشْمَلُ الْمَنْفَعَةَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: أَوْ إجَارَةً لَهَا بِغَيْرِهَا شَوْبَرِيٌّ وس ل كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ دَارٍ مُدَّةً فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ أَوْ إجَارَةً لَهَا بِغَيْرِهَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِ ح ل وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَصْوِيرِهِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْفَعَةً) لَهَا أَوْ لِغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ: أَوْ انْتِفَاعًا هَذِهِ عَارِيَّةٌ فَيَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ وَلَا يُؤَجِّرَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ لِلْغَيْرِ ثَمَانَ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَيْنًا صُورَةٌ وَقَوْلَهُ: أَوْ دَيْنًا فِيهِ صُورَتَانِ أَيْ دَيْنًا ثَابِتًا قَبْلُ أَوْ مَنْشَأً أَوْ قَوْلَهُ: أَوْ مَنْفَعَةً فِيهِ صُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَوْ إجَارَةً لَهَا بِغَيْرِهَا إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَوْ انْتِفَاعًا فِيهِ صُورَتَانِ الْعَارِيَّةُ وَالْجِعَالَةُ وَقَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقًا صُورَةٌ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ حَصْرِ الْغَيْرِ فِي الثَّمَانِيَةِ بِقَوْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقًا) أَيْ الْخُلْعَ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهَا) كَالسَّلَمِ. (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا) أَيْ أَوْ قَامَ بَيِّنَةٌ ع ش
الصفحة 3
463