كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 3)

(إنْ قَبَضَتْهُ كُلَّهُ قَبْلَ إسْلَامٍ فَلَا شَيْءَ) لَهَا لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا، وَمَا انْفَصَلَ حَالَةَ الْكُفْرِ لَا يُتْبَعُ، نَعَمْ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمُسَمِّي مُسْلِمًا أَسَرُوهُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ، وَفِي نَحْوِ الْخَمْرِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّا نُقِرُّهُمْ حَالَ الْكُفْرِ عَلَى نَحْوِ الْخَمْرِ دُونَ الْمُسْلِمِ، وَأُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ عَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، بَلْ يُلْحَقُ بِهِ سَائِرُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ الْمَعْصُومُ. (أَوْ) قَبَضْت قَبْلَ الْإِسْلَامِ (بَعْضَهُ فَ) لَهَا (قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ) ، وَلَيْسَ لَهَا قَبْضُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسَمَّى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، (فَ) لَهَا (مَهْرُ مِثْلٍ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إلَّا بِالْمَهْرِ، وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمُسَمَّى الْفَاسِدِ مُمْتَنِعَةٌ، فَرَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ الْمُسْلِمُ بِفَاسِدٍ، وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ بَلْ وَلِلْمُسَمَّى الصَّحِيحِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذَلِكَ زَوْجُهَا قَاصِدًا تَمَلُّكَهُ وَالْغَلَبَةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا سَقَطَ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَمُنْدَفِعَةٌ بِإِسْلَامٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْهُ (بَعْدَ دُخُولٍ) بِأَنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ (كَمُقَرَّرَةٍ) فِيمَا ذُكِرَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى أَنَّ لَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحَ، (أَوْ) بِإِسْلَامٍ (قَبْلَهُ) فَإِنْ كَانَ (مِنْهُ فَ) لَهَا (نِصْفٌ) أَيْ نِصْفُ الْمُسَمَّى فِي الْمُسَمَّى الصَّحِيحِ، وَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُسَمَّى الْفَاسِدِ (أَوْ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ) لَهَا لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ جِهَتِهَا

(وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا) فِي نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ (ذِمِّيَّانِ أَوْ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ أَوْ مُعَاهَدٌ أَوْ هُوَ) أَيْ مُعَاهَدٌ (وَذِمِّيٌّ، وَجَبَ) عَلَيْنَا (الْحُكْمُ) بَيْنَهُمْ بِلَا خِلَافٍ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَهَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَعَمْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي شُرْبِ خَمْرٍ لَمْ نَحُدَّهُمْ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا، وَالْأَخِيرَتَانِ مِنْ زِيَادَتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إنْ قَبَضَتْهُ) أَيْ الرَّشِيدَةُ أَيْ أَوْ قَبَضَهُ وَلِيُّ غَيْرِهَا، وَلَوْ بِإِجْبَارٍ مِنْ قَاضِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ بِأَنْ قَبَضَتْهُ سَفِيهَةٌ رُجِعَ إلَى اعْتِقَادِهِمْ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ شَرْحٌ م ر. (قَوْلُهُ لَا يُتْبَعُ) أَيْ بِالنَّقْضِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ عَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ) وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا بِدَلِيلِ إلْحَاقِهِمْ بِالْمُسْلِمِ إذْ لَوْ قُيِّدُوا بِالْإِسْلَامِ، لَكَانُوا دَاخِلِينَ فِي الْمُسْلِمِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ) وَالِاعْتِبَارُ فِي تَقْسِيطِ ذَلِكَ فِي صُورَةِ مِثْلِيٍّ كَخَمْرٍ تَعَدَّدَتْ ظُرُوفُهَا وَاخْتَلَفَ قَدْرُهَا أَمْ لَا، بِالْكَيْلِ وَفِي صُورَةِ مُتَقَوِّمٍ كَخَمْرَيْنِ زَادَتْ إحْدَاهُمَا بِوَصْفٍ يَقْتَضِي زِيَادَةَ قِيمَتِهَا وَكَخِنْزِيرٍ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا، نَعَمْ لَوْ تَعَدَّدَ الْجِنْسُ وَكَانَ مِثْلِيًّا كَزِقِّ خَمْرٍ وَزِقِّ بَوْلٍ وَقَبَضَتْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْكَيْلِ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ، أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كِلَابٌ وَأَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ، اُعْتُبِرَ الْعَدَدُ لَا الْقِيمَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ فَاغْتُفِرَ ثَمَّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ) بِأَنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَصْلًا أَوْ قَبَضَتْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا أَمْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ إلَخْ) مَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ أَمَّا لَوْ نَكَحَ مُفَوِّضَةً فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ز ي أَيْ لَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً تَفْوِيضًا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا لَهَا بِالْمَهْرِ، لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْحَرْبِيِّينَ وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ بِحَالٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فِيهِمَا م ر. (قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً) أَيْ وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ أَوْ حَرْبِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى مُعَيَّنًا، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا؟ بِأَنْ يَقْصِدَ عَدَمَ رَفْعِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ، أَمْ لَا؟ اُنْظُرْهُ ع ن وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَإِلَّا سَقَطَ، لِأَنَّ السُّقُوطَ لَا يَكُونُ إلَّا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ شَيْخُنَا

(قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا) مُرَادُهُ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْنَا وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِأَنْ جَاءَ لَنَا أَحَدُهُمَا بِطَلَبِ خَصْمِهِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ بِلَا خِلَافٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا نَاسِخٌ إلَخْ) وَالْأَوْلَى حَمْلُهَا أَيْ الثَّانِيَةِ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ وَالْأُولَى عَلَى الذِّمِّيِّينَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، إذْ لَا يُصَارُ إلَى النَّسْخِ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَيُقَالُ عَلَيْهِ: إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ مَنْسُوخَةً بِالْأُولَى وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فِي الْمُعَاهَدِينَ، يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُعَاهَدِينَ وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْمَنْعِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّسْخَ فِي الْحَقِيقَةِ لِقِيَاسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ وَرَدَتْ فِيهِمْ الْآيَةُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ أَصْلَ الْقِيَاسِ، جُعِلَتْ الْآيَةُ الْأُخْرَى نَاسِخَةً لَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْقِيَاسِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ عَمِيرَةُ وَز ي، لِأَنَّهُمْ قَاسُوا الذِّمِّيِّينَ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 49] ، فَلَمَّا نَزَلَ كَانَ نَاسِخًا لِهَذَا الْقِيَاسِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَوْ تُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ إذْ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا، وَلَمْ نَلْتَزِمْ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ) وَلِأَنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى شُرْبِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَجَاهَرُوا بِهِ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الزِّنَا، لِأَنَّ الْخَمْرَةَ أُحِلَّتْ وَإِنْ أَسْكَرَتْ فِي ابْتِدَاءِ مِلَّتِنَا، وَذَاكَ لَمْ يُحَلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ، قَالَ حَجّ: فَإِنْ قُلْتَ: هُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفُرُوعِ، فَلِمَ لَمْ نُؤَاخِذْهُمْ بِهَا مُطْلَقًا: قُلْتُ: ذَاكَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِعِقَابِهِمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَى أَنَّ

الصفحة 380